قبعة الناسك
شعر: علاء نعيم الغول
ويأتي من وراءِ الليلِ معتمرًا
بريقًا واسعًا من لونِ نارٍ بين أشجارٍ
مُصابًا باختناقاتِ الصعودِ إلى
أعالي الوَجْدِ منقسمًا على رغباتهِ
في أَنْ يكونَ صريعَ شهواتٍ تقودُ
إلى نهاياتٍ ترتبُ نفسَها لتأوهاتِ
النفسِ بين الليلِ والليلِ الذي يبتزُّ
لونَ الجلدِ بالضوءِ المفاجىءِ بالتعرقِ
بعد هزاتِ الهواءِ على سريرٍ طافحٍ بالعطرِ
رعشاتِ الستائرِ في ثنايا الصوتِ
في ذاكَ السكونِ المستباحِ يجيءُ ناسكُنا
القديمُ ليحتسي كأسًا لعِنَّابٍ تخمَّرَ
في شفاهٍ أطلَقتْ ورَعَ الرضا عذبًا
يسيلُ كما الدماءُ على مذابحِ معبدٍ
فتحَ المصاريعَ القويةَ للقرابينِ الشهيةِ
لاهثًا كي تنتهي في العينِ حَيْرَتُها
وفي القلبِ التمسكُ بالمدينةِ وهي تَخْفَقُ
كلَّ يومٍ في الهروبِ مع النوافذِ من بيوتٍ
لم تعدْ أسرارُها سِرًّا وعرَّتْها السماءُ على
الطريقِ وقبعاتُ القشِّ ألوانٌ بحجمِ الشمسِ
والشوفانِ لونِ البرتقالةِ والصناديقِ الغنيةِ
بالثيابِ المزهراتِ وأنتِ تغتسلينَ مثلي
بين جدرانٍ مقطعةٍ كما الأناناسُ في
طبقٍ يشدُّ مذاقُهُ فينا ارتخاءَاتِ الأصابعِ
ثمَّ نرجعُ للتسامي مرةً أخرى على همساتِ
ما يُروَى نرددُ جملةً صوفيةً لا وِزْرَ فيها
لا تُحَمِّلُنا ضميرًا مرهَقًا بالذنبِ نحنُ نفيضُ
من أرواحنا ونذوبُ في نياتِنا البيضاءِ
نبحثُ في تفاصيلِ اللقاءِ عن الثقوبِ المرمريةِ
وهي تلمعُ حولنا وندورُ في فلكٍ عجيبٍ
من هدوءٍ نازفٍ بالمسْكِ طَيَّبَ بالرياحينِ المساءَ
وصارَ فينا شهقةً محمومةً ويدقُّ بابَ
الصومعاتِ الناسكُ الآتي بسمرتهِ
العميقةِ مُشْهِرًا أسماءهُ في رقعةٍ جلديةٍ
خُطَّتْ بنورٍ باليراعاتِ الفتيةٍ في أيادٍ أتقنَتْ
معنى الشعورِ بنشوةٍ مفتوحةٍ حتى
جذورِ البوحِ حتى القُبلةِ الملأى بناياتٍ من
الريحِ التي سكنتْ مغاويرَ الخيالِ
وألهبتْ جمرَ التشوقِ في ليالي الصيفِ
عاريةٌ حبيبتي الحقيقةُ هكذا في العُرْيِ
يكتسبُ المكانُ قداسةَ الأفكارِ حين تكونُ
جامحةً وناضجةً كنهدٍ مثل رأسِ القطِّ
منغمسًا بماءِ الوردِ معلولًا بشهدٍ يشبهُ
الراحَ التي ذهبتْ قديمًا بالعقولِ هي المدينةُ
من قريبٍ تشبهُ اليعسوبَ وهو يطيرُ
في سربٍ طويلٍ للبحيرةِ إذْ هناكَ يعادُ فهمُ
الوقتِ تُنتَزَعُ المرايا من وجوهِ الغائبينَ تُعادُ واضحةً
إلى جدرانها ليموتَ فيها الآخرونَ وهكذا
ما زالَ يطرقُ رأسهُ بالبابِ مكتسبًا
تماسكهُ العنيدَ من اشتهاءٍ يأكلُ الحلوى
الطريةَ من أماكنها اللذيذةِ
ناسكُ الأحلامِ يأتي دائمًا في الصحوِ
مختالًا بقبعةٍ تجرأَ تحتها بالقولِ
إنَّ الماءَ يدعو الماءَ دفءَ الجلدِ
ينبضُ في غرائزَ أيقنتْ معنى البقاءِ
بلا حدودٍ في شرايينِ الحقيقةِ
لا هروبَ حبيبتي من فكرةِ النارِ التي
فينا وجذواتِ التعلقِ واشتهاءاتٍ مثلما
ثمرٌ على شجرٍ سَقَتْهُ النشوةُ الأولى
وغذتْهُ الطبيعةُ بالفضولِ ولا يزالُ القلبُ
يرغبُ في الصعودِ إلى شفاهِ الحلمِ
يرتشفُ الصفاءَ من المصباتِ
التي تركتْ سبيلَ النهرِ يجري فائضًا
حتى إذا صرنا على طرفِ الجنونِ تمزقتْ
فينا العروقُ وهاجتِ الرؤيا لتدفعَنا
لنعرقَ في أسرَّتِنا الطريةِ والشبيهةِ باللحاءِ
تسيلُ منهُ عصارةُ التينِ الغزيرةُ
ناسكٌ مصباحُهُ فتحَ الظلامَ وبددَ الخوفَ
الذي بدأتْ بهِ الدنيا وسيقانُ الهوى
مفتوحةٌ للبحرِ للعشبِ المملَّحِ إننا موجُ
النهارِ ورغوةٌ مسكونةٌ بتخيلاتٍ لا تفارقنا
وتنهشنا على مرأى من الطينِ الذي
سمعَ النداءَ وقالَ لستُ بمنكرٍ أني غوايتُكمْ
وأني فاتحُ اللذاتِ حاديكم إلى بلدِ المسراتِ
الوحيدِ فقطْ لديكم فرصةٌ للعيشِ
للتحليقِ في أَثَرِ الفَراشِ وفوقَ تلاتِ
الحياةِ حبيبتي هيَّا نعُدُّ لآلىءَ الوقتِ
الذي نرجوهُ نجعلها لنا سمطا يطوقُ
جِيدَ ليلتنا الطويلةِ واللقاءُ هناكَ ليس هناكَ
حيثُ نرى البدايةَ من جديدٍ ليس يمنعنا
من التغييرُ خوفٌ أو مكانٌ لا يزالُ الناسكُ
الرعويُّ يذرعُ ما تبقى من مسافاتِ
الندى مستبسلًا حتى يرى الضوءَ البعيدَ
ويمسحَ العرقَ الذي ينتابهُ من بعدِ ما يجتازُ
هاتيكَ المسافةِ تاركًا وجعَ التوددِ والتقربِ
عند بابٍ قيلَ عنهُ المانعَ الحامي
وترتكبُ المدينةُ كلَّ يومٍ ألفَ مجزرةٍ
وتخنقنا بما فيها من التسويفِ والعجزِ
المقيمِ حبيبتي ستقودنا الأحلامُ يومًا
للطريقِ وتنتهي كل العذاباتِ البعيدةِ
قابليني خلفَ ذاكَ النهرِ عند محطةٍ
شهدتْ هروبَ الوقتِ منها واتركي نصف
الحقائبِ للمقاعدِ كي ندونَ ذكرياتِ الحبِّ
في سحبِ الطيورِ وفي مناديلِ النساءِ الملهَماتِ
الموقناتِ بسحرِ ما في الجلدِ رمقٍ يعيدُ حياةَ
ليلاتٍ طوالٍ جرَّدَتْكَ النارُ مما فيكَ من نزقٍ
وأعطتكَ اشتعالَكَ وارفًا كالظلّ فيكَ فلا عليكَ
إذا انتشيتَ وكان وجهُ الليلِ منطفئًا
وكانَ الصوتُ يُضمرُ رغبةً تكفي لتجعلَ
منكَ صهواتٍ مجنحةً تحلقُ في نهاياتِ
الرحيقِ وتلتقي بالعالمِ العلويِّ بين الروحِ
والجسدِ الطهورِ حبيبتي عنقاءُ هذا الليلِ
شاحبةٌ ويذكيها الرمادُ كما الصقيعُ يمسُّ
جلدًا دافئًا والنارُ باردةٌ إذا فترَ الحنينُ إذا
الوسادةُ أسلمتْ لمساتها للنومِ يَا هذا المدى
فينا لماذا أنتَ تركضُ في ملامحنا وتنسانا
على هذي السفوحِ فلا نرى ما قد كتبنا في
رسائلَ بيننا ويجيءُ ذاكَ الناسكُ المحجوبُ
في عزمِ الدخانِ وينفثُ الرغباتِ صاعدةً
كما تلك الفقاعةُ في سماءِ الجذبِ والشجبِ
المُلِحِّ تصاعدي أنفاسَنا واستبشري بالراحةِ
الكبرى تباركَ ليلُنا وتنازلتْ فينا الأماني
بعد هذا كله ونزلتِ في قلبي سريعًا أحتويكِ
بقبلةٍ وتلهفٍ يستوجبُ التمييزَ بين
السُّكْرِ والصحوِ المزينِ باللهاثِ على
مضاجعَ أورقتْ في نرجساتٍ لا تحاسبنا
على شيءٍ ولا تشكو من الفزعِ الكثيفِ
على مداخلِ ليلةٍ شهقتْ عميقًا ثم أعمقَ
إننا نصطفُّ منذُ غدٍ على عتباتِ بابِ الناسكِ
المشمولِ بالخيراتِ والدعواتِ نرجو منهُ
ألا يرتخي في عزمهِ عند التقاءِ الجمرِ
بالثلجِ المضرجِ بالخطى والبحثِ عما
يستعيدُ الروحَ والنشواتِ هاتيكَ الحياةُ
حياتُنا والعمرُ ورداتٌ ملونةٌ وقطراتٌ من العنابِ
في الصيفِ الطويلِ تبلُّ ريقًا ناشفًا
يقتصُّ من ذاكَ اللهاثِ المرِّ عند مصبِّ
نهرٍ دافقٍ والأمرُ متروكٌ لهاتيكَ المدينةِ حيثُ
تعرفُ مَنْ تلاحقهُ ومَنْ لها في بيتهِ ليلٌ قصيرٌ
تعرفُ الماضي وأطرافَ الحكايةِ وحدها
تستنزلُ الرغباتِ تلقيها على بابِ الهواءِ
لمن يمرُّ ومَنْ لديهِ شجاعةُ الدوريِّ في فتقِ
الصباحِ ونشرِ أصواتِ التأملِ في فِناءِ
الروحِ يا هذا المكانُ عليكَ أنفاسُ الأسرَّةِ
قد تناثرتِ الرؤى والقبعاتُ وسافرتْ تلكَ الجموعُ
إليكَ ناسكَنا المقيمَ هناكَ حيث هناكَ من راحوا
ومن قعدوا على درجِ الحكايةِ سادرينَ وغافلينَ
حبيبتي ليديكِ هذا الملمسُ السريُّ رائحةُ
الخزامى دائمًا وأراكِ في قلبي وبين الغيمِ والنوارِ
حاملةً صناديقَ البخورِ وصورةً مملوءةً بالبحرِ
والغرفِ المضيئةِ فاقبلي هذا الجنونَ
معي هناكَ ولن نضلَّ وقد تلاقينا على مهلٍ
وجئنا من طريقِ الناسكِ المخبوءِ تحتَ القبعةْ.
الأربعاء ٢٠/٧/٢٠٢٢
فطام الناسكْ