الغرفة السادسة
شعر: علاء نعيم الغول
قالت له خذني معكْ
كانت تحاولُ أن تردَّ له الغيابَ
فسالَ منها الشمعُ فوق الطاولةْ
قالت تعالَ لنبنيَ الكوخَ الصغيرَ كما اتفقنا
فانثنى غصنٌ به تفاحتانِ قريبتانِ من القمرْ
جاءت عصافيرُ الجنوبِ إلى النوافذِ
كانتِ الحسناءُ ترسمُ وجهها فتدحرجتْ
رمانةٌ تحت السريرِ وأدركتْ
أن النعاسَ يصيبُ أوراقَ الشجرْ
فستانُها زهرٌ ضفائرها صفيرُ القاطراتِ
وحين يلمسها الهواءُ تهبُّ رائحةُ السفرجلِ
تلمعُ الفضةْ
توارت خلفَ أرقامِ الشوارعِ
كان يشغلها التنقلُ كيف لا
والنومُ ضَلَّ على العقاربِ لم يجدها
فاختفى في الليلِ بعد العاشرةْ
كانت تلملمُ نفسَها ما مرةً وجدت لها
ظلَّا وصدقتِ المسافةَ وهي تسحبها كطفلٍ
تائهٍ وتوقفتْ ساعاتُها بين احتساءِ
شفاهها والقهوةِ الملأى سؤالًا غائرًا
في نفسها قالتْ وقالتْ وارتأتْ أن تبدأَ
الشكوى بعينيها فراغُ الروحِ يقتلُ صاحبَهْ
مرآتُها كرةُ الزجاجِ تحبُّ رائحةَ اللافندرِ
في مياهِ الحوضِ قبلَ الإغتسالِ أمام قطتها
وأصواتِ الكناري هاتفي إنْ رنَّ يكسرُ
ضلعَ بروازِ المخيلةِ المثبتِ بين نهديها
يموءُ القطُّ ينزلُ من على درجِ الرغائبِ
راكضًا مترنحًا في آخرِ الشهقاتِ يحملُ
في أظافرهِ احمرارَ الليلِ لكن لن أقولَ
لها عن المقصودِ في الجملِ الأخيرةِ في
الرسالةِ صورةٌ مهزوزةٌ آثارُ حمضٍ لا تزالُ
على الجوانبِ تأكلُ التفكيرَ في الماضي تحاولُ
أنْ تنسقَ بينَ وجهي والسؤال ومن بعيدٍ صوتُ
بوبْ مارلي يثيرُ تساؤلاتٍ ثورةً في الرأسِ رائحةَ
اغتيالٍ مثلما يجري لفئرانِ الصناديقِ التي
في القبوِ قالت لي أحبكَ كنتُ مفرودًا على
ظهري كخارطةٍ لغزوِ مدينةٍ مأهولةٍ كنتُ
المقيدَ في ضفائرها وأحلمُ بالعنبْ
بالكرْزِ بالتوتِ الملونِ بالبخارِ على المرايا
بالتنصلِ من وعودٍ ألهمتني بارتشافِ الماءِ
من ريقِ القصيدةِ جئتُ من وجعٍ كما وجعُ
الحروفِ على شفاهِ العاشقينَ ورحتُ ألتهمُ
المعاني في عيونكِ صادقًا فيما وعدتُ وناسيًا
أني قطيراتُ العرقْ
ثمَلٌ يصيبُ المفرداتِ
فأنتشي إنْ بُحتُ أو باح الهوى في الليلِ
تندلقُ الأواني ثم تنفتقُ العُرَى نارٌ على جسدِ
الفراشةِ رعشةٌ في العاجِ توقظُ رغبةً حمراءَ
تلمعُ في الشفاهِ وقشرةِ التفاحِ تنفجرُ
الضمائرُ في شرايينِ الكلامِ فترتخي أوصالُنا
فيما الحياةُ هنا هديرُ الذبذباتِ على جهازِ
القلبِ قفزاتٌ تجنبنا الوقوعَ معًا على عجلٍ
من الكاوشوكِ ملتهبٍ يجدِّلنا الدخانُ ضفرتينِ
تغطيانِ حروقَ أكتافِ المدينةِ والمدينةُ لا يرى
هذيانها عسسُ الخليفةِ وهو يبحثُ في قدورِ
اللحمِ عن طعمٍ يغيرُ ما تناولَهُ الظهيرةَ أيها
المحكومُ جرِّبْ أنْ تخلخلَ رزةَ البابِ الذي يفضي
إلى خُزُنِ الخليفةِ لا تخفْ من بِزةِ الحراسِ
لن يقفوا طويلًا في مواجهةِ الحريقِ لذا انتفضْ
كي تستطيعَ السيرَ تغييرَ اتجاهكَ بوصلاتُ
الحبِّ واقفةٌ على ظهرِ الرسالةِ لا تحركْ قطعةَ الحلوى
التي بين الشفاهِ ولا تُذِبْ أطرافَها بتأملاتكَ كل
شيءٍ سائرٌ نحو النهايةِ هل تفكرُّ في الوصولِ
إليَّ هذا الليلُ سُلَّمكَ الوحيدُ إلى العلا يا عاليَ
الهمَّاتِ كم حاولتَ تفسيري لتلعقَ رقبةَ النومِ
الطويلةَ وهي تلمعُ في بياضي أنتَ يكفيكَ التصالحُ
مع لعابكَ بيد أني أستعدُّ لسحبِ أنفاسِ الفراشةِ
من هواءِ الصدرِ بعد الإنتشاءِ وفي الطريقِ السجنُ
يشبهُ قبعاتِ النافقينَ على ضفافِ الخندقِ
الممتدِّ بين الوردتينِ وبابِ بيتٍ للعبادةِ شاحبٌ
كقصيدةٍ ذابتْ كما ورقُ المراحيضِ القديمةِ هكذا
تبدو المدينةُ من زجاجِ الحافلةْ قمرٌ بريءٌ
في السماءِ كما الحياةُ بدونِ أنْ يلجَ الخليفةُ
في شوارعنا التي اتسعتْ لنا يومًا وضاقتْ
بالجنودِ المارقينَ المنتمينَ لوادِ نملٍ أيها النملُ اختبىءْ
ما أجملَ القصصَ التي تُروَى عن الحبِّ
الذي بيني وبينكِ كان عهدًا دافئًا برؤى الأصيلِ
ملائمًا لبدايةٍ مرسومةٍ بشقائقِ النعمانِ
بالفرحِ الخفيِّ وكان شَعرُكِ واسعًا في لونهِ
متفائلًا كالعطرِ أولَ ما يُرَشُّ على قميصِكِ ناعمًا
كيديكِ كالصوتِ الذي لم ينقطعْ فينا ومرَّ العمرُ
في بذخِ الأغاني تاركًا قلبي يفتشُ عنكِ
في سفَرِ الموانىءِ في بلادٍ لا تحبُّ القادمينَ
من الحكاياتِ التي لم تكتملْ أنتِ الفراغُ
الممتلىءْ عتبي على هذي النوافذِ لم تقلْ لي كيفَ
أصبحُ سيدًا للوردِ صاحبَ بسمةٍ تسبي فؤادَ
الكاعبِ الوجناءِ تتهمُ المدينةُ ظليَ المفتوحَ
كاللبلابِ إذْ غطى الرصيفَ وظهرَ أنثى أسرعتْ
في مشيها كيلا يعانقها على سهوٍ فهذا
الظلُّ يرتعُ في الهواءِ يراودُ الماشينَ عما يحملونَ
حبيبتي مأسورةٌ في الربحِ بين حواجزِ المدنِ
الغريبةِ لا أراها الآن أعرفُ أنها مسكونةٌ بالأمس
بالوقتِ الذ قد كان يومًا بيننا هي دميةُ الثلجِ
الصغيرةُ قطعةُ التفاحِ في كأس النبيذِ تدافعَ العشاقُ
نحو النهرِ يغتسلونَ في ماءٍ يزيلُ هواجسَ
الليلِ الدفينةَ في النتوءاتِ التي في النفسِ
يا عاصي الهوى
كمُلتْ معاني العشقِ كنتُ وقبلي
كانَ قيسٌ ما شهدنا أنَّ قلبًا يجمعُ
الحُبَّيْنِ قلبٌ واحدٌ أنثى له في وجهها
عزفُ المقاماتِ التي أخذت من الروحِ
الندى عيناكِ أيضًا تسكنان الضوءَ
تحتملان لونَ الوردِ بين الشمسِ والبحرِ
القريبِ أنا أحبكِ حاملًا قلبي إليكِ
على غصون الزيزفونةِ إنه قلبي الصغيرُ
وإنكِ الصورُ السريعةُ في مخيلتي
التي اتخذت من الدنيا مكانًا للتوحدِ
فيكِ فاتنتي وما أرجوه من هذا التفاني
بين لونِ الفجرِ والطيرِ المسافرِ فجأةً
سنكون يومًا ما معًا في لحظةٍ مفتوحةٍ للحب
للتفكيرِ في معنى البقاءِ على حدودِ
الإعترافِ بأننا سنظل أجمل
بيننا ما بيننا
والحبُّ فاتحةُ الكلامِ وغربةٌ تكفي لنقبلَ
ما تقدمهُ الحياةُ
وأنتِ لي قلبي الذي لم ينطفىءْ.
هم ينظرونَ إليكَ
أنتَ تحاولُ التفكيرَ في أشياءَ
أخرى لستُ أفهمها ولكن فيكَ ما يكفي
لأفهمَ أنني أشتاقُ أكثرَ للعلاقةِ بيننا
وتداخلتْ نظراتُنا
ليسوا رفاقًا
هكذا يتورطُ الماشون في نظراتهم أيضًا
وقلبي ورطةٌ كزيادةٍ في سكرِ
الحلوى وأعرفُ كم أنا أحتاجُ
أن تثقي بقلبي في الصباحِ
حبيبتي كنا نرتبُ قُبْلَةً
لكنها انحرفت قليلًا عن شفاهكِ
فارتطمتُ بآهةٍ ممزوجةٍ بالصمتِ
هل عيناكِ تختلفانِ عن عمقِ المسا والزعفرانِ
لكِ احترقتُ بكِ انشغلتُ وصرتُ صوتًا
يستعدُّ لأنْ يصدقَ فلسفاتِ الموجِ
في أن الحياةَ مشاغباتٌ وانتظارٌ وانهيارٌ
للقناعاتِ التي لا تقبلُ التغييرَ
والحبُّ انتظارٌ واعترافْ.
هم يُسقطونَ عليكَ زهرَ الزنزلختِ
وأنتَ يُسقِطُكَ التخيلُ أنَّ ظلكَ مُصمَتٌ
كالسنديانةِ حين تأكلها فؤوسُ الحاطبينَ
كأنما سقطتْ على كِتْفيكَ مئذنةُ المدينةِ
أو كنائسُها وجسرٌ فوقَ وادٍ جفَّ
ينتهزونَ لحظةَ أٍنَّ وجهَكَ يستديرُ
كعجْلَةٍ مغروزةٍ في الطينِ حتى يمطروكَ
بقيئهم ويعاندوكَ فلا تواصلُ ما بدأتَ
يقطِّعونَ لكَ الشوارعَ كي تفتشَ عن ممراتٍ
تعيدكَ للوراءِ هم الذين لهم وجوهٌ كلها
مشدودةٌ كخيوطِ نَوْلٍ للزرابيِّ الوثيرةِ
هؤلاء المُترَفونَ تسوَّروا أبياتَنا وتطيبوا زورًا
على بابِ المُصَلَّى بالغوا في الإبتهالِ وبالغوا
في صبغِ ظلكَ بالبياضِ وأنتَ تعرفُ أنهم
ليسوا دعاةً مؤمنينَ
وأنتَ أجهدَكَ الهربْ.
الجمعة ١٥/٣/٢٠١٩
حديث الغرف الأخيرة