الثلاثاء، 12 مارس 2019

جدلية النقاء


جدلية النقاء
شعر: علاء نعيم الغول 

في لحظةٍ يتأخرُ الماضي
 وأبدأُ بالتظاهرِ أنني لا أستجيبُ 
لما ترسبَ في كؤوسِ الأمسِ من أشياءَ
 قادرةٍ على جذبي إلى بابِ الجنونِ
 وسحبِ قلبي فوقَ جمرِ الإمتنانِ لقصةِ
 الحبِّ التي أفرَطتُ في ترتيبها
 إني نقيُّ نادرُ الأسماءِ أنفعُ للتغني
 بالسكونِ ورهبةِ الفوضى على طرفِ المدينةِ
 وهي نائمةٌ على القصفِ الأخيرِ
 وبيننا نورٌ نقيُّ أنتِ مشكاةٌ تضيءُ 
تموجاتِ الليلِ تُدهشُ نافذاتِ الشوقِ
 تربكُ هالةَ القمرِ المبعثرِ في شقوقِ الصيفِ
 تغتالينَ عتماتِ الكرومِ وغابةٍ مهجورةٍ 
بين السماءِ وموسمِ اللوزِ المغلفِ
 بالتفاؤلِ والرجاءِ حبيبتي وهجُ الطفولةِ في عروقِ
 التينِ قلبِ البرتقالةِ وانصبابِ الماءِ من مُزْنٍ
 على السقٌفِ البريئةِ من ظنونِ النائمينَ على حدودِ 
الحبِّ هذي بلدتي وجمالُها قِدَمُ البيوتِ ونكهةٌ
 فيها اغترابٌ باذخٌ وتراوحٌ بين التسامحِ
 والمجاملةِ السخيةِ بين شاطئها وأولِ
 زورقٍ حملَ الجنودَ من البعيدِ وعاثَ
 في أجوائنا زحفًا بنا يا أيها النورُ المجمَّدُ
 في قواريرِ البصيرةِ ما رأينا قبل هذا عتمةً
 مجبولةً بالسوءِ ممن يسكنونَ الآن بين ظهورِنا
 شاهت وجوهُ المارقينَ وشُرِّدوا في الأرضِ
 لا أرحامَ تجمعنا ولا قلبٌ يؤلفُ بيننا نحن
 القريبينَ افتراضًا من حدودِ الأنبياءِ وقد سقطنا
 عند أولِ جبهةٍ للحبِّ نفشلُ في اصطيادِ فراشةٍ
 حمراءَ نغفلُ عن نداءِ الواجبِ المحفورِ في أحداقِ
 صبيتِنا الذين استنزفوا صبرًا وشوقًا للخروجِ
 من الشرانقِ والتشرقِ تحتَ جدرانِ البيوتِ
 وفي البيوتِ الآن مَنْ عرفوا الحياةَ ويفرحونَ
 بما استطاعوا يسرقونَ الحبَّ من نظراتِ 
صبيتهم وألوانِ النوافذِ والجلوسِ أمامَ نارٍ أشبعتهم
 رغبةً في النومِ في دفءِ الحكاياتِ البسيطةِ
 عن بلادٍ كان يسكنها رفاقٌ طيبونَ وأهلُهُم
 والنومُ باتَ لهم معارجَ أوصلَتهم للعلا والغيمةِ الصغرى
 وبعدَ الغيمِ شمسٌ لا تهابُ مواسمَ البردِ
 القديمةَ أيها النورُ الصباحيُّ الرقيقُ تعالَ
 من بين القلوبِ وخذ بروحي يا مُريدُ ألا بنورٍ باردٍ
 سأصيرُ قديسًا أباركُ بابتساماتي الغيورَ 
على الحقيقةِ أنشرُ الرِّفْقَ الذي فقدتهُ طرقاتُ
 المدينةِ جادَ قلبي بالمنى أشعلتُهُ صخَبًا ورؤيا
 لا يرى غيري الذي أبصرتهُ في حيِّنا بعضُ
 الأفاعي اليافعاتِ رؤوسهنَّ كأنها قِبَبٌ مدورةٌ
 بأشواكٍ بحجمِ نيوبها الزرقاءِ ما من عيشةٍ حتى
 تُقطَّعَ أو تُسعَّرَ في الجحيمِ جلودُها وحبيبتي فرْخُ
 النوارسِ شعلةٌ في رأسِ طودٍ زهرةٌ أو وردةٌ
 أو ريشةٌ بيضاءُ أو عسلٌ أُريقَ على جذوعِ الزنزلختِ
 أنا طريقُ الوردِ رائحةُ الخزامى واختمارُ
 الماءِ بالكينيا سأمضي حاملًا هالاتِ نوري
 شاردًا من إثمكم يا مترَفينَ وسارقي قوتِ النساءِ
 المنهكاتِ على رصيفِ الحزنِ بي فرحٌ
 بحجمِ مجرةٍ مشقوقةٍ ويسيلُ منها الديسقُ
 الشفافُ مغسولًا بأرواحِ العصافيرِ الطريةِ مثلما
 حشو الوسائدِ تحت أثداءِ العذارى السابحاتِ
 الراكباتِ خيالهنَّ أنا فضاؤكِ غامرًا زهو النهارِ
 بما أفيضُ بهِ بهاءً أو صفاءً لا يشوبُ
 القلبَ سوءٌ لا أراني مجهَدًا بالإثمِ أو وسواسِ
 نفسٍ حاصرتها الأمنياتُ العاطلاتُ
 عن التلقي وارتكابِ المنجياتِ العابراتِ
 من الأذين إلى البطينِ بدفقةٍ دمها شهيُّ مثلما
 كرزٌ بكأسٍ فيه ثلجٌ لامعٌ وأمام هذا القلبِ
 مرآةٌ وبشرى رحلةٌ فيما وراءَ الانعكاسِ على بلاطِ
 الروحِ أنتِ ملاءتي البيضاءُ ناصعةٌ تضيءُ
 بلا شوائبَ من صقيعِ الأمسياتِ وشهوةٍ
 مستورةٍ خلفَ ادعاءاتِ المحبةِ والتشوقِ
 ساعةٌ رمليةٌ تتوهجُ الحبَّاتُ فيها وهي تسحبُ 
من دقائقنا الكثيرَ ونحنُ نلهثُ خلفَ لحظاتٍ
 نؤثثها برائحةِ الندى والصِّدْقِ نخشى أنْ
 تصابَ الروحُ بالماضي ولفحاتِ الغيابِ وبِتُّ
 أنشدُ وجهَكِ الوضاءَ أتبعُ فيهِ نفسي وانبلاجَ
 سمايَ عاليةً كسقفِ الريحِ واسعةً ككلِّ الكائناتِ
 وشجرةِ التنوبِ أنبشُ في بياضكِ أستفيدُ
 من النقاءِ بأنْ أرى خيطَ البدايةِ واضحًا متواصلًا 
كهدوءِ قلبكِ وازديادِ الحبِّ في عينيكِ هل تُعفَى
 النفوسُ بصمتِها عما بداخلِها وهل في الحبِّ 
تفرقةٌ تراعي شدةً في البوحِ تفريطًا بحق القلبِ
 في أن ينتشي ومقًا تعالَ إليَّ يا نورَ السماواتِ العليةِ
 يا نهارَ الفضةِ المسكونَ بالنعناعِ بالحبقِ المغازلِ
 بالدوالي الناشئاتِ من الصفاءِ الطاهرِ المنذورِ
 للصيفِ الغيورِ أنا أحبكِ ليس يثنيني العتابُ
 ولا الملامةُ في هواكِ تفتقتْ أحلامُنا زهرًا أنا
 البريُّ موصولٌ بطعمِ الخوخِ منقطعٌ عن العبثِ الذي
 يلغي الشعورَ بأننا أحياءُ تبهرني الفضاءاتُ الغريبةُ
 أمتطي بدخَ الخيالِ بجرأةٍ لا بدَّ منها كي أقي نفسي
 التظاهرَ بالرضا وتحولاتِ الروحِ يأخذني
 الخيالُ إلى التفاصيلِ التي لم تتضحْ 
في مفرداتِ العشقِ أقرأها بصوتكِ وابيضاضِ
 الماءِ منكِ ولا تعفُّ النفسُ عن شيءٍ يقربني
 إليكِ يعيدني للطهرِ موسومًا بأني لم أخنْ نفسي
 ولم أبخلْ عليها بالحياةِ حبيبتي سنغيبُ يومًا
 ما سنرحلُ باردين ملائمين لما سيأتي
 لا تخافي من جنونِ اللحظةِ المعجونِ بالرغباتِ
 بالنزقِ الملبدِ بالطيوبِ كما الغمامةُ في ليالي
 الدفءِ أنهلُ من بياضكِ أرتوي مما تقطرَ من شفاهكِ 
إنها الأحلامُ فاحتملي سخونةَ ما يشعُّ من اعترافاتي
 الثقيلةِ لا تخافي مرةً أخرى سنهربُ من ملاحقةِ
 الضميرِ سنعتني بالوردِ أيضًا والتغني بالبريقِ
 على رضابكِ فارتشفْ يا قلبُ واثمَلْ دع ظنونكَ
 عارياتٍ لا تُجَمِّلْ مرهقاتِ القلبِ من شفتيكِ أعرفُ
 معبرَ النورِ الإلهيِّ المباركِ أستطيعُ الإنكسارَ بلا ذنوبٍ
 أفتحُ البابَ الذي سيمرُّ منه الأنبياءُ إلى السما
 والحبُّ معراجُ السكونِ وشهوةُ الأرواحِ في تزيينِ
 برجِ الروحِ يا عاجَ التأملِ يا جميلتي الطليقةَ
 في رموشِ الليلكِ الغافي على سورِ المدينةِ
 والمدينةُ رقصةُ النحلِ العقيمةُ صورةٌ مقطوعةٌ
 من ظهرِ هذا الليلِ من زبدِ الشواطىءِ وهي
 تلهجُ بالحنينِ إلى عهودٍ قد مضتْ ومضى المكانُ
 بما لديهِ من الحكايةِ واختليتُ أنا بصوتي في
 الخلاءِ أرددُ الوجعَ المُغَنَّى في طقوسِ البحثِ 
عن ذاتٍ تناسبُ ذكرياتي إنني أحتاجُ لونًا
 دافئًا لأحبَّ في عينيكِ وجهي والطريقَ إلى سبيلِ
 النورِ يا نورَ الطيورِ الملهَماتِ تطيرُ من شمسٍ لشمسٍ 
من غصونِ التوتِ للزيتونِ للبحرِ المسافرِ
 في صناديقِ الكلامِ ولستُ أعرفُ ما الذي في
 الروحِ شيءٌ ما يراودني لأسبرَ غورَها في لحظةِ
 البوحِ المشعةِ قابليني في مداراتِ الصباحِ
 وعلقيني في خيوطِ الضوءِ في قمرٍ يدورُ
 على البيوتِ وفي منازلهِ الكلامُ عن المدينةِ
 والحروبِ وغربةِ النعناعِ في أحواضنا في الحبِّ
 نصفُ الكونِ في أحلامنا نصفُ التفاصيلِ
 الأخيرةِ عن صبايا العشقِ عن نفسي وعنكِ
 حبيبتي يا مهجةَ القلبِ الرقيقِ لكِ الفراشةُ أفرغت
 ألوانَها في حوضِ وردٍ منعَمٍ بالضوء لا تدعي
 الفراشةَ تحملُ الأشواقَ ثم تنامُ بين جفوننا والقلبِ
 أنتِ النورُ والسلوى وفي عينيكِ ينهمرُ المطرْ.
الخميس ٣١/١/٢٠١٩                           








ليست هناك تعليقات:

إنزلاقات مرورية

انزلاقات مرورية شعر: علاء نعيم الغول أحميكَ أم أحمي دقائقَ في ضلوعي تحترقْ أنفاسُنا ليست هواءً بل دخانَ الوقتِ مشتعلًا كما فعلت رسائلُنا ...