جدليةُ الهروبِ وراء الجدار
شعر: علاء نعيم الغول
الناسُ موتى والحياةُ كما ترى
والأرضُ منها قد أتينا ثمَّ فيها ننتهي
ماذا أضيفُ هنا النهايةُ والبدايةُ
لا كلامَ تعالَ نهبطُ من هنا حتمًا سنعرفُ
أين كنا قبل هذا يا رفيقي في الحضور
وفي الغيابِ اللولبيِّ كما ترى
دعنا نحاولُ ليس ينفعُ أن نموتَ بلا مقابلَ
تحت هذا الرملِ
أسماءُ الينابيعِ التي روتِ الخليقةَ والكلأْ
هي فرصةٌ أخرى لنهربَ من مساءلةِ الضميرِ
ورغبةِ النفسِ الجسورةِ
كلما مرَّ النهارُ تضيعُ مني ذكرياتُ الراحلينَ
وسوفَ ينسانا الرفاقُ مؤكدًا يوماً
لهذا سوف أحفرُ في الوجودِ حقيقتي
طمعًا وحبَّا في اقتناءِ الوقتِ
تحتَ الماءِ نارٌ والجحيمُ ونافذاتُ الليلِ
كان الليلُ أولَ كل شيءٍ
فانتظرْ إن شئتَ أن يأتيكَ من بين المشاعلِ
رافعًا قمرًا على أكتافِ نرجسةٍ بحجم
الخوفِ والضجرِ الذي قطعَ الطريقَ
على الضفادعِ في البياتِ
وهذه الدنيا بياتٌ واسعٌ
فمتى تشققُ هذه الأحلامُ تخرجنا
إلى المثوى الأخيرِ إلى بياضٍ ليس نعرفُ
عنه غيرَ الخوفِ منهُ
كم المسافةُ بين قلبي والحقيقةِ لا تساوي
كل هذا الجهدِ ماذا لو تكشفتِ الحقيقةُ
ما الذي سيكون في مقدورنا تغييرهُ
ماذا وماذا والسؤالُ مراوغٌ كإجابةٍ مبتورةٍ
والحبُّ ظلَّ كما نراهُ ولن يكونَ سوى الذي
قد كان منه وفجأةً نتذكرُ الماضي ونسألُ
عن مصيرِ الراحلين وأين هم أبدًا
ولا يكفي التحسرُ والتناسي
تحت هذا الوردِ سجنُ الروحِ حاويةٌ من البازلتِ
قاسيةٌ كلونِ الماسِ يملأها هواءٌ يشبه الكبريتَ
والبارودَ أعرف أنني أرجو الخلاصَ بدون تعقيبٍ
على ما أشتهيه فقد غدوتُ أسيرَ هذا الوردِ
منحازا إلى ألوانه والبيلسانةِ
إن روحي طائرُ الدوري على شجرِ المدينةِ
والبيوتِ به ارتحلتُ إليكِ مراتٍ لأسكنَ في جفونكِ
أرتوي مما تبقى من شتاءٍ بين ضلفاتِ
النوافذِ أنت حبي والجنونُ المستباحُ
وقطرةُ الملحِ التي في الجرحِ
تحت الوردِ قبوٌ فارغٌ وصدى النبيذِ على
رفوفِ الوهم والعشقِ المذابِ كنكهةٍ ما ذقتها يومًا
ويحملني الفراغُ كنشوةِ المخمورِ أعلى
ثم أعلى في عوالمِ قصةٍ قوطيةٍ من نسج (إدجار بو)
تُسَمَّى الآنَ (برميلُ الأمونتيادو)*
رهبةُ التفكيرِ في ما قد يجيءُ وما وراء
النومِ ما أقسى التكهنَ والرهانَ فلا رجوعَ
ولا إعادةَ مثل طلقات المسدسِ نحو رأسٍ ما
وهذا ما تقدمهُ الحياة زيادةً في الأسرِ
والقهرِ المدبرِ
تحت هذي الأرضِ أنهارٌ ونارٌ
شجرةُ الرمانِ تحملُ مرةً
ولكل ميْتٍ حبةٌ ليعودَ مبتهجًا بلا قلقٍ كذاكرةِ
المرايا كالروامسِ حين تطمسُ قريةً ظعنت على ظهرِ
الرحيلِ وماتَ من عشاقِها
من لم يقلْ في الحبِّ بيتًا واحدًا
تحت الهواءِ مصيرُنا ونلاحقُ الأشواقَ
نهربُ من ضجيجِ العُمْرِ ننسى عندها
أنا فَراشٌ ذاهبٌ بين الغصونِ وكان صوتُكِ
دافئًا هذا الصباح مغلفًا بالشمسِ شيئًا
في الطريقِ إلى حوانيتِ المدينةِ كان صوتُكِ
يشبهُ الماضي ويشبهني وأسمعُ فيهِ ما لم
أستطعْ تفسيرَهُ في أننا أسطورةٌ لا يهتدي
لجمالِها أحدٌ سنبقى هكذا متعانقَيْنِ على دروبِ
الوقتِ تخذلنا الحياةُ ولن نُسَلِّمَ بالمسافةِ والفِراقِ
وكان صوتُكِ مؤمنًا بالحبِّ منفصلًا عن الملموسِ
في هذا الفراغِ ملائمًا لتوقعاتِ القلبِ
مغموسًا كعشبِ الشمسِ في الماءِ الرسيلِ
ودارَ في كلماتِنا وجعٌ وأمنيةٌ وخالطها
التعلقُ بالمصيرِ وما تخبئهُ الليالي الناعساتُ
على الستائرِ كان صوتُكِ رعشةً تسري
كنبضٍ مُتْعَبٍ وكومضةٍ هربتْ من الغيمِ
المسافرِ في بياضِ الثلجِ يأخذني إلى دنياكِ
معترفًا بأني لم أكنْ إلا انعكاسكِ في بحيرتِكِ
القريبةِ منكِ من ممشاكِ في البلدِ الغريبِ
كغربةِ الدوري وحيدًا فوقَ سلكِ الكهرباءِ
حبيبتي في صوتكِ امتلأَ اليقينُ بأننا لم نفترقْ
وأنا سأكتبُ عنكِ في هذا النسيجِ من الهواءِ
ورغوةِ التفكيرِ والعبقِ الذي في قهوتي
وأنا أرتبُ مفرداتِ العشقِ في هذي القصيدةِ
صار صوتُكِ فجأةً حبلَ المشيمةِ
بين هذا الكونِ والجسدِ الذي تنسابُ روحي فيهِ
يا معنى الوجودِ وطعمَ هذا الوقتِ كوني لي
كما كنا فما الدنيا سوى جرسٍ نحاسيِّ
على بابِ السماءِ يدقُّ في قلبي كأني أسمعُ
الأحلامَ في رأسي طنينَ النحلِ أنصِتُ للضجيجِ
كأنني أحتاجُ رأسًا غير هذا يستطيعُ
الإنسحابَ كفكرةٍ مغلوطةٍ
تحتَ الضجيجِ ينامُ نصفُ المُتْعَبينَ
ولا يهمُّ الآنَ هل قلبي صغيرٌ أم كبيرٌ
إنه الخوفُ الذي جعلَ الوجودَ معادلاتٍ لا تُحَلُّ
وإنهُ القلقُ الذي سحبَ الهدوءَ كوشوشاتِ
الشكِّ تجعلُ من (عطيلَ) مؤكدًا وحشًا له عينان خضراوانِ
صوتُكِ يا حبيبتيَ البعيدةَ ظلَّ أجملَ
حين عُدْتِ لتشتري شيئًا نسيتِ
وصوتُ جارتِكِ الثقيلُ بلكنةٍ عجماءَ أفقدني الشعورَ
بأنني أتنفسُ الدنيا برائحةِ الخزامى
هكذا معكِ الطريقُ تصيرُ أقصرَ
تستجيبُ لنقطةِ الصفرِ التي بيني وبينكِ
لا مسافةَ بيننا فقط احتراقُ الفلِّ
أوراقُ الرواياتِ التي فتحتْ لنا نصفَ النوافذِ
تحت هذا الجمرِ أمكنةٌ مغطاةٌ بقرميدِ البيوتِ
أمامَ هذا البحرِ حيث الريحُ تفتعلُ الحكاياتِ
القديمةَ تلهبُ التفكيرَ في جدوى التقلبِ
بين جدرانِ المواسمِ لا فصولَ سوى التي
اعتدنا عليها لا مجال لأن يكون هناك فصلٌ
خامسٌ هي هكذا نحن العبيدُ ولا إرادةَ تمنعُ
التقويمَ من أنْ يستمرَّ سنستمرُّ ويستمرُّ البحثُ
فينا عن مكاشفةٍ تريحُ ونحن نحملُ مثل (أطلسَ)
هذه الأرضَ الثقيلةَ إنَّ في عينيَّ نومًا
رغبةً في أنْ أصفِّي ذكرياتي
أنْ أقسمَها على سنواتِ عمرٍ ناشفٍ
أو مورقٍ أو غارقٍ في عطرِ أخيلةٍ مزيفةٍ تريحُ
لمدةٍ وتعودُ تؤلمُ حين يدهمنا المنامُخ
وفي الصباحِ حبيبتي أجدُ المكانَ مناسبًا أيضًا
لأرجعَ عاشقًا عيناكِ لي هذا الهروبُ
وفي شفاهكِ بسمةُ النوارِ في وجهِ الضحى
وأنا البريءُ على جدارِ الوهمِ روحي غربةٌ مفتوحةٌ
هل تذكرين معي الطريقَ أمِ الطريقُ تغيرتْ فيها الخطى
قلبي وقلبكِ غابتانِ على هواءِ الإستواءِ
مليئتانِ بما نحبُّ وما يقوِّي القلبَ من ثمرٍ
وماءٍ من مصبِّ النهرِ من ذاكَ السكونِ المعتمِ
المخبوءِ في رحمِ الطقوسِ وما نحاولُ أنْ يكونَ لنا
طريقًا للرجوعِ إلى البدايةِ لا نهايةَ للحياةِ حبيبتي
سنكونُ يومًا ما معًا سأمرُّ من شفتيكِ همسًا
مثلما قُبَلٌ تحاولُ أن تلامسَ خفةَ الروحِ
التي تحي الشعورَ متى سنعرفُ أن تحتَ
بيوتِنا دنيا ودنيا عالَمًا من غير شكوى أو جدارٍ
مصمَتٍ هذا الوجودُ لنا إسارٌ محكَمٌ
وأدٌ بطيءٌ والفرارُ من المتاهةِ ممكنٌ جدَّا
ولكنْ أين بابُ العالمِ السفليِّ أينَ محطةُ
السفرِ الطويلِ وأين نحنُ ومن سيأخذنا
إلى الجهةِ الأخيرةِ لا جوابَ فقط سؤالٌ واحدٌ
ومدينةٌ عمياءُ راحلةٌ كأولِ رحلةٍ ستكونُ للمريخِ
نهربُ من مكانٍ واضحٍ لحقيقةٍ مجهولةٍ
لا تنتهي آلامُنا في الأرضِ يومًا
والتفاني في الإجابةِ مرهقٌ
وأنا أحبكِ تاركًا هذا العتابَ مع الحياةِ
فقط أريدُكِ بين قلبي والمسافةِ نُكملُ السرَّ الذي
بدأَ العلاقةَ بيننا لو كان في مقدورِنا فهمُ
الحقيقةِ والحياةِ لما استطعنا العيشَ يومًا كاملًا
والأرضُ تبقى ما تراهُ وما أرى.
الأربعاء ١٦/١/٢٠١٨
*The Cask of Amontillado
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق