الواجهة الرابعة: رمادْ
شعر: علاء نعيم الغول
بدأَ الرمادُ من الرمادِ وكانَ لونًا ما وحيدًا نَزَّ من جلدِ البدايةِ باهتًا وتوشَّحتْ برذاذهِ حتى النهايةُ ثمَّ صارَ مناسبًا للغيمِ في تشرينَ في فروِ الثعالبِ وانهيارِ الرملِ تحتَ الجمرِ في ماءِ البحيرةِ في الصباحِ وفي رواياتِ الجنونِ وعبهراتِ الليلِ حين تصيرُ ذاكرةُ الطيورِ كما هواءُ المِدخناتِ المعتمةْ⓪︎ إذْ أنتَ مولى النارِ مولى القلبِ كم من مرةٍ فرَّغتُ أحلامي بأنْ أهديتُها للبحرِ فاتسعتْ موانئهُ فقطْ للصمتِ عُدْتُ ألملمُ التاريخَ من قِطَعِ النقودِ ومن فراغِ الصوفِ في قصصِ الشتاءِ ومن نداءِ الطوبِ في سورِ المدافنِ والقبورِ كأنَّ ما في الأمسِ يصبحُ لونُهُ لونَ الجرائدِ والغبارِ وتفشلُ اللغةُ البديلةُ في استعادةِ أيِّ لونٍ كانَ يا لغةَ الرمادِ تناسلي ما شئتِ جفَّ الرحْمُ وانقضتِ العشيةَ شهوةُ التفكيرِ في تجديدِ معنى الحبِّ في زمنِ الحروبِ الفاشلةْ①︎لونٌ بلونٍ غربةٌ بين الترابِ وفضةٍ لمعتْ بها يَدُ شمعدانٍ فوقَ منضدةٍ ببيتٍ موحشٍ وتجمدتْ صورُ القدامى في البراويزِ الثقيلةِ لستُ أفهمُ كيف يحتملونَ هذا صامتينَ وعاجزينَ عن التأففِ باردينَ كمقبضِ البابِ المبلَّلِ أنتِ يا صُوَرَ الفناءِ تسلَّلي في الذكرياتِ ونافسي إِنْ شئتِ أشلاءَ الطيورِ على مخالبِ قطةٍ قفزتْ بعيدًا طاويةْ②︎شيءٌ على شيءٍ ركامٌ يزدري ألقَ المدينةِ وهي تكذبُ تحتَ أنوارِ البيوتِ المرهقةْ كم شاحبٌ سربُ الغرانيقِ الذي لم يأتلفْ ليصيرَ لي شَبَكًا أصيدُ بهِ الغيومَ أو النجومَ هنا المكانُ تهيأتْ فيهِ الحياةُ لكلِّ شيءٍ لا تفكرْ كيف صرْنا هكذا إذْ لا عليكَ سوى التكيفِ مع ترانيمِ الذينَ أصابهم وجعُ التمسكِ بالرحيلْ③︎هذي الوجوهُ تآكلتْ بين الحجارةِ والهواءِ تمزَّقتْ حتى الضفائرُ وانتهتْ في الريحِ لا يبقى سوى أثرِ الشتاتِ أو السكونِ ستنتفي كلُّ الصفاتِ ويعتلي عرشَ البقاءِ ضياعُنا ما نُنْهكُ الأجسادُ فيهِ يؤولُ للطَّلَلِ الذي سنخلِّفُهْ④︎ومنَ الرمادِ إلى الرمادِ تُعيدُنا العنقاءُ ترغمُنا على ألا نفيقَ فقطْ ندورُ وننتهي يا نارُ يا صحوَ الترابِ وشهوةَ الجوعِ الطليقةَ في عروقِ الوَعْيِ نخرجُ من بياتٍ عالقٍ بين البدايةِ والقيامةِ مدركين كم المسافةُ وهمُ أنفاسٍ ترتبنُا للحظاتِ الوداعِ ومن رمادِ الآخرينَ يجيءُ قومٌ آخرونَ وهكذا حتى إذا قلنا الحقيقةَ لا يعودُ هناكَ وقتٌ للمزيدِ من الكلامِ المختلفْ⑤︎قَدَرُ الحجارةِ أنْ تكونَ كما نريدُ وحسبُها أنَّا نوارَى تحتَها هي هكذا خِدَعٌ نعيشُ معلَّقينَ بها ونعرفُ أنَّ رائحةَ النهايةِ دائمًا في كلَّ شيءٍ يا حبيبتي البعيدةَ موجِعٌ هذا التزامنُ بيننا ومُحَيرٌ وأنا وأنتِ على يقينٍ أنَّ في عينيكِ آثارَ الشواطىءِ واتساعَ الماءِ والعبثَ الذي سحبَ الغيومَ إلى السقوفِ كفكرةٍ لا تنتهي⑥︎ ونحِنُّ للصورِ التي لا لونَ فيها غير رائحةِ البياضِ وعشقِ ذاكَ الأسودِ الممتدِّ حتى الروحِ تأخذني شفاهُكِ وقتَها حتى مصافي الشَّهْدِ والبذخِ الذي في الريقِ في عينيكِ تنعدمُ المسافاتُ الجريئةُ أقتفي في شَعْركِ العفويِّ معنى الإنعتاقِ من السهولِ ومن بقايا الصوتِ في حلقِ الفراشةِ إنهُ فمُكِ الذي دوَّنتُ منهُ حكايةً من ألفِ زنبقةٍ و وردٍ مكتملْ ⑦︎جسدٌ وقبعةٌ ورأسٌ من فراغٍ من طيورٍ لا تعي أنَّ الجهاتِ قد اختفتْ والناقمينِ على الحقيقةِ غادروا بالأمسِ وانمحتِ التفاصيلُ الغزيرةُ من ثقوبِ النصِّ حين كتبتُ عن جدوى البقاءِ ورغبتي في لمسِ وجهِكِ قبلَ أنْ تصلَ الأصابعُ للشفاهِ وهكذا الأحلامُ تفضحُ ما لدينا من ظنونٍ ما سنفعلُ لو تلاقينا وتبقى الطيرُ أكثرَ جرأةً مِنَّا ⑧︎ حين يسحبُنا الضبابُ المغنطيسيُّ المُدَخَّنُ نفقدُ الجزءَ الأخيرَ من اتفاقٍ كانَ بينَ الوقتِ والمَمْشَى وبين شفاهِنا دومًا وأعقابِ السجائرِ إننا نتوقعُ المجهولَ أو وجهَ الحياةِ وحينَ تقتربينَ أكثرَ تبدأُ اللهفاتُ في تبريرِ مجرى الدفءِ بين يديكِ هل لكِ أنْ نفسرَ كلَّ شيءٍ أم لديكِ الإعتقادُ بأننا نحتاجُ أن نمحو الضبابَ عن النوافذِ والشجرْ⑨︎الغامضُ المنشودُ في عينيكِ يصعبُ أنْ يُجَامَلَ فاتركيني أحفرُ الشمعَ الذي يُغريكِ حتى أسحبَ الضوءَ الذي كشفَ الغوايةَ بين فقراتِ الكلامِ أراكِ ترتسمينَ فوق ستائري فَرْخَ الحمامِ ترفرفينَ على وسادتيَ الطريةِ ثمَّ تنفلتينَ بين يديَّ أجملَ قالتِ الرؤيا سنحفرُ مرةً أخرى جدارَ الليلِ حتى نسحبَ القمرَ الذي لم ينتبهْ⑩︎ وطغى الرمادُ على الرمادِ أنا أُثيرُكِ بي وأملأُ حوضَكِ الفَجْريَّ بالحناءِ والماءِ المُخَمَّرِ تغسلينَ قوامَكِ المنحوتَ من جذعٍ ترابيِّ الهواءِ وشاطئيِّ الملحِ يعرَقُ كلما امتدتْ يداكِ إلى ثمارِ الخوخِ فاعتصري نبيذَكِ واتركي ما جفَّ منهُ على مساماتٍِ ترتبُ نفسها لتكونَ جلدًا ظامئًا وخذي شفاهَ النورِ منشفةً لتُنهي طَقْسَ ما بدأَت به هذي الأظافرُ وهي تنبشُ شهوةً مدفونةً⑪︎ بين الرمادِ وما يدورُ الآن حلمٌ باهتٌ في الرأسِ هل تدرينَ أنَّ الزائرينَ يفضلونَ الإختباءَ وراءَ طيفٍ في معاطفَ غير دافئةٍ لهذا كان يمكنكِ التخلصُ من وسادتكِ الخفيفةِ باعتذارٍ صامتٍ والرأسُ حاويةٌ مهيأةٌ لتدويرِ المسافاتِ التي بين الحقيقةِ والحقيقةِ مرةً أخرى عليكِ النومُ أفضلَ والستائرُ مُسْدَلَةْ⑫︎هذي البحيرةُ قارَبٌ شجرٌ قديمٌ والهواءُ العالقُ المستورُ بين العشبِ والصمتِ الحياديِّ الكئيبِ مشاهدُ الأحلامِ أيضًا لا تفارقُنا غداً يومٌ وبعدَ غدٍ نهارٌ ما وتمتدُّ البحيرةُ في مخيلتي وراءَ الغابةِ السوداءِ لن تجدي سوايَ هناكَ أنتظرُ انتظارَكِ ممسِكًا قلبي وأجزاءً من القمرِ المُعَدِّ لليلةٍ شتويةٍ⑬︎فلنلتصقْ لا تنظري للبحرِ أعرفُ أننا نَبْتَلُّ حتى الرأسِ من زبدٍ يغطينا معًا لا تنظري للخلفِ أيضًا لا علاقةَ بينَ طاولةٍ وصوتِ الموجِ بين الرملِ والكرسيِّ فالأشياءُ تُوجَدُ وحدَها في البدءِ نحنُ نخادعُ الموجودَ بالموجودِ نربطُ بين ما لا يُستساغُ ونشتهيهِ فربطةُ العنقِ الطويلةُ كيف تخدمُ صائدَ الشبوطِ والتصقي كثيرًا بي لأنَّ الرملَ يعرفُ ما يدورُ الآنَ في رأسي ويعرفُ أنَّ قهوتَكِ التي بردتْ تغطتْ كلها بالمِلْحِ ⑭︎ هلْ قلمُ الرصاصِ يُعيدُ ترميمَ السماءِ بما تبقى من طيورٍ شوهتها الحربُ يرسمُ خرشناتٍ علها تجدُ الهواءَ فتهتدي للبحرِ تنسى أنها تركتْ لنا ما جفَّ من أحلامِنا في الشمسِ عوسجةً تظللُ بيتَ نملٍ جائعٍ قلمُ الرصاصِ كفكرةٍ جعلَ المكانَ معرضًا للارتجالاتِ الضعيفةِ حيثُ تتسعُ المسافةُ بين سنِّ الرمحِ والجسدِ المسربلِ بالفراغِ المزدحمْ⑮︎هذا الرمادُ إجابةٌ أخرى وتصفيةُ الحسابِ مع الظهيرةِ إنه عبثُ القواقعِ في مخيلةِ الصغارِ ورهبةُ الغيمِ الكثيفِ على حدودِ الضعفِ فينا بذرةٌ نبتتْ بأسئلةٍ مشوهةٍ وأجوبةٍ نصدّقُها ولا معنى لهذا الوقتِ لا جدوى من التفكيرِ في لونِ الفراشةِ في البيوتِ المعتمةْ⑯︎.
الأربعاء ٢٧/٥/٢٠٢٠
واجهات