الاثنين، 1 يونيو 2020

الواجهة الخامسة: حبر



الواجهةُ الخامسةْ: حِبْرْ
شعر: علاء نعيم الغول 

الحِبرُ ماءُ المعجزاتِ وما أُريقَ على قبورِ الأنبياءِ وسالَ في صحفِ اليقينِ أنِ اعملوا حُسْنًا وطوبى للذين تناسلوا كالطيرِ وانكتبوا بهِ في أولِ الأسفارِ أَنَّ الطيبينَ يؤجلونَ الريحَ  ينتعلونَ غيمَ الليلِ في معراجهمْ نحو الخلودِ وسالَ في ورقِ النشيدِ أَنِ اخفصوا أصواتَكمْ حتى تفيقَ الشمسُ وابتهلوا على بابِ القيامةِ ضارعينَ وخائفينْ ⓪︎ والحبرُ أسماءُ الجنودِ على شواهدَ لا تُزارُ وفي رسائلَ لم تصلْ وكفى الرسائلَ أنها جفَّتْ على مهلٍ ولم تغفرْ فروقَ الوقتِ بعدَ الحربِ والموتى جنودٌ لم يراعوا أنهمْ لا يرجعونَ ويُكثرونَ من الكلامِ عن العشيقاتِ اللواتي الآنَ غيرنَ النوافذَ والورَقْ ①︎ والحبرُ أولُ مَنْ تواطأَ في رقوقٍ دُوِّنَتْ بالزَّاجِ يُخفيها النهارُ يُضيؤها الليلُ القديمُ يُقالُ إنَّ الحُبَّ حين أتى تخفَّى في سطورٍ فُضَّ ما فيها على ضوءِ النجومِ ولم يزلْ سرَّا لذا يتبادلُ العشاقُ ما كتبوا بهذا السائلِ الصافي وإنِّي سائلٌ نفسي عن اللونِ الذي امتصَّ احتمالاتِ النزيفِ المُستَقَى من وشوشاتٍ أربَكَتْ سفَرَ الأناملِ بين نهدينِ استعادا هيبةَ الشوقِ الذي لا يُحتَمَلْ②︎ والسُّمُّ يزحفُ في خلايا الحبرِ يغتالُ الذينَ يفكرونَ ويبحثونَ عن الحقيقةِ في متونٍ أُثقِلَتْ بالخوفِ حينَ يمرُّ إصبَعُكَ الرقيقُ على السطورِ وتنتهي لا تلعقِ السبَّابةَ الملأى بأوجاعِ الزُّعافِ وأنتَ تقلبُ صفحةً أخرى وهذا ما جرى في الدَّيْرِ ألسنةٌ ملوَّنةٌ لقتلى فجأةً*③︎وشمٌ على جلدٍ وأفكارٌ نُهَرِّبُها طواعيةً وتشربُها مساماتٌ مهيأةٌ لتصبحَ شَفْرَةً نقشًا لِمَنْ يأتي ليعطيها معانٍ لم تكنْ في البالِ أو مقصودةً ويصدِّقُ الخلَفُ الكثيرَ وهكذا نَرِثُ الأكاذيبَ التي تُرِكَتْ على جُدُرِ المعابدِ والتوابيتِ المليئةِ بالغريبِ من الغريبِ ونحنُ نغرقُ بين تأويلٍ نموتُ لهُ وتأويلٍ نموتُ بهِ ويبقى الوشمُ حبرًا غامقًا من مغرياتٍ غامضةْ④︎مَنْ قالَ إنَّ الحِبْرَ لونٌ كي نحررَ ما نريدُ بهِ مَراراتُ السلاحفِ أنكَرَتْ هذا ورعشاتُ القلوبِ تدوِّنُ اللهفاتِ في أرواحِنا لسنا نرى كيفَ الهوى يصلُ الحروفَ ببعضها بل لا نرى وجعَ الصدورِ وقدْ غدى رَسْمًا نراهُ على الوجوهِ وفي جفونٍ أُتْرِعَتْ بالدمعِ لا ندري ويدري الحِبْرُ أنَّ اللونَ يعرفهُ الأُلَى لا يألمونْ⑤︎ومُشَرَّعَاتٌ بالفَرَاشِ ترى طواحينَ الهواءِ تلوكُ ذاكرةَ الغيومِ تُسيلُها يومًا مِدادًا باردًا يومًا سكونًا لا ينامُ ولا يُنيمُ وخلفها تغفو المدينةُ في انحسارٍ خلفَ ألوانِ الحياةِ وتنتهي الأسماءُ والغاياتُ والكتبُ التي طفحتْ بمن جعلوا ليالينا انتظارًا مفزِعًا وتوقعاتٍ غير آمنةٍ وأبصرُ من بعيدٍ دون كيخوتهَ يقودُ جيشَ الواهمينَ العالقينَ على حدودِ الحلمِ لا يجدونَ رمحًا من خشبْ⑥︎ في ذكرياتي هذه الأقلامُ مِحبرةٌ بلونِ الوهمِ أو سوداءُ مِحبرةٌ بلونِ القلبِ أو حمراءُ محبرةٌ بلونِ النُّبْلِ أو زرقاءُ كنتُ أجيدُ تدوينَ الحياةِ على قصاصاتٍ من الورقِ النظيفِ وأكتبُ الأرقامَ واضحةً لأعرفَ هل كَبِرْتُ أمِ الذي صدَّقْتُهُ عنِّي سيبقى أنني ما زلتُ دوريَّا صغيرًا عند بابِ البيتِ أو شجرِ الطريقِ وبعدَ هذا الوقتِ أدركتُ الحقيقةَ واكتفيتُ بلونِ عينيكِ القديمِ وما يناسبُنا معًا⑦︎ كم بقعةُ الحبرِ الكبيرةُ في الثيابِ تُريكَ أَنَّ البحرَ مختنقٌ وإحدى ناقلاتِ النفطِ لم تُقنعْ بلونِ الزيتِ أنَّ المالَ أجملُ أنَّ حبرًا ما لأوراقِ النقودِ يغيرُ التفكيرَ والدنيا وما يجري هنا وهناكَ هذا الساحرُ المائيُّ يرسمُ عِشْقَهُ في كلِّ شيءٍ إنهُ دمعُ اليراعةِ وابتزازٌ في حروفٍ أوصلتْ قلبًا بقلبٍ أو أساءتْ ربما عن غير قصدْ⑧︎ للحبرِ رائحةُ التعافي من دوارِ البحرِ من هذا الركودِ الآسِنِ الرُّوحيِّ حين تصابُ بالعدوى من السأمِ الذي أكلَ المدينةَ حينَ أنزعُ عنكِ محبرتي الغطاءَ تفوحُ أفكارُ البدايةِ كيف جاءَ الخَلقُ واتخذتْ شواطئُنا اتساعًا مربكًا وأغيبُ في نفسي وأغرقُ في تفاصيلِ النهايةِ علَّني أجدُ احتمالاتٍ تعينُ على اجتيازِ الحَرِّ واستقبالِ أولِ طائرٍ عند الصباحِ⑨︎  حبيبتي ما بيننا قدَرُ الحقيقةِ لحظةٌ لم تنفجرْ منها الفقاعةُ بل زمانٌ لم يصلْ للشوكِ ماذا لو ركضنا حافيينِ ولم نفكرْ في انتعالِ الماءِ في أيَّارَ لن نخشى السخونةَ وقتَها مِنْ أَنْ تعيقَ مسافةً بينَ البنفسجِ والهواءِ وبين قلبينا فقط نحتاجُ أن نبقى معًا⑩︎ لِمَ لا نعي أشياءَنا ونحبُّها ونعيشُها حتى نوازنَ بين معنى الإقتناءِ وشهوةِ التغييرِ أسراري معي والوردُ يعرفُ حين ألمسُ دفتري أستشعرُ الوقتَ الذي قد ضاعَ أبحثُ فيهِ عن نفسي ورائحةِ الهدوءِ وما تعتقَ من حنينٍ نحنُ نصنعهُ بذاكرةٍ محايدةٍ معي في الليلِ تخذلني كثيرًا في النهارْ ⑪︎ كانت دفاترُنا القديمةُ تنتهي في الماءِ هاربةً قواربَ في الهواءِ تروحُ تاركةً بقايا ما كتبنا ربما حبَّا وأحيانًا حكاياتٍ تذوبُ كما النزيفُ تلوَّنَتْ منَّا المياهُ وليسَ من حبرِ الحروفِ نهايةُ الورقِ التلاشي والذي في القلبِّ ظلَّ كما النقوشُ وبعدَ عامٍ ما سنكتبُ مرةً أخرى ونذهبُ في الهواءِ ⑫︎ تنافسَ العشاقُ فيما بينهمْ كلٌّ يريدُ حكايةً تبقى لمن يأتي هدىً ومراسلاتٍ يُقتدى بحروفها والحبُّ ليس كما أرى يُتْلَى ويُكتَبُ لا تَسَلْني عنهُ فيكَ إجابةٌ لو صرتَ يومًا عاشقًا سترى وتعرفُ ما عليكَ وينبغي التفريقُ بين القلبِ من جهةٍ وأصواتِ الطبولِ وحين تسمعُ للهدوءِ ترنماتٍ قُمْ سريعًا وافتحِ الشباكَ وانظرْ في مراياكَ النظيفةَ كي ترى ما صارَ في عينيكِ لي⑬︎ مطرٌ وأنتِ وقهوةٌ وهواءُ غرفتِكِ التي اتسعتْ لمعنى الصيفِ صوتُ البحرِ ذائقةُ النوارسِ شرفةٌ ممتدةٌ حتى وسائدِنا أصابعُكِ الرقيقةُ فرصةٌ لتذوبَ بين أصابعي إنْ شئتِ ثمَّ عليكِ تنقيةُ الرسائلِ من فواصلها لينسابَ المِدادُ إلى النهايةِ دافئًا وعليَّ توقيعُ اعترافاتٍ بما يكفي لتبدأَ قصةٌ وحكايتي⑭︎ وأنا البسيطُ الهاربُ المُقْتَصُّ من نفسي بعيدًا عن محاباةِ الضميرِ ونشوةٍ أخذتْ تداعبُني طويلًا ما تبقى ما تبقى والكلامُ مناسبٌ للبوحِ للتخفيفِ من وجعِ التخاذلِ عن مواجهةِ المرايا خذْ صباحكَ يا هواءُ خذِ المكانَ بكلِّ ما فيهِ العشيةَ ثم دعني أستردُّ الماءَ من هذي الحروفِ أَبَلُّ ريقَ رسائلي شيئًا وقد بهتتْ عروقُ الحبرِ في جسدِ الوريقاتِ التي سقطتْ على مرِّ الدقائقِ من جيوبِ المعطفِ المنسوجِ من بللِ الليالي المعتمةْ⑮︎ دعني ودعنا كلُّنا حِبْرٌ بهِ كُتِبَتْ هذي الحياةُ نجفُّ عن قصدٍ ويمحونا الذي يمحو ولا نبقى كما ادعتِ الكتاباتُ القديمةُ هكذا تتآكلُ الأحلامُ تنسحبُ العيونُ من المشاهدِ ثمَّ ترتفعُ السماءُ بنفسها حتى إذا بلغتْ حدودَ الغيمِ قالتْ لا كلامَ ولا بقاءَ وأيها الفانونَ ذوقوا طعمَ ما قضتِ الطبيعةُ أنكم عبثُ الليالي رغوةٌ مبثوثةٌ كالقطنِ فوقَ القشِّ فَلْيمتصُّكمْ رملٌ تحمَّلَ ما انتعلتمْ فوقهُ يومًا وهذا حالُ هاتيكَ الفراشةِ والنوارسِ والطيورِ المستفيضةِ بالنشيدِ نهايةٌ حمراءُ غامقةٌ رثاءٌ باردٌ فقدَ الكثيرَ من التعاطفِ والخشوعْ⑯︎
الإثنين ١/٦/٢٠٢٠
واجهات
*إشارة إلى رواية أمبرتو إيكو (إسم الوردة)                                




ليست هناك تعليقات:

إنزلاقات مرورية

انزلاقات مرورية شعر: علاء نعيم الغول أحميكَ أم أحمي دقائقَ في ضلوعي تحترقْ أنفاسُنا ليست هواءً بل دخانَ الوقتِ مشتعلًا كما فعلت رسائلُنا ...