الأربعاء، 10 يونيو 2020

الواجهة السابعة: رمل


الواجهة السابعة: رملْ
شعر: علاء نعيم الغول 

رملٌ على بابِ القيامةِ لا هواءَ ولا خطىً يدعو الحفاةَ لكي يمرُّوا حاسرينَ وهادئينَ لساحةٍ للأنبياءِ وساعةٍ رمليةٍ بدأت تسيلُ كما العَرَقْ مُرُّوا فرادى أو جماعاتٍ بعيدًا في جهاتٍ من فزَعْ والرملُ يبدو دَرْمَكًا في الشمسِ يلمعُ كالمرائي ثمَّ يأخذُنا العزيفُ من الهَيامِ المستعرْ ⓪︎ والرملُ قالَ البحرُ أنتَ وعائيَ الممتدُّ من شفتيَّ حتى فوهاتِ الغيمِ منعتقٌ أنا في صمتكَ المنسيِّ بين اللازوِرْدِ ولونِ هذا العُشبِ تجعلُني نقيًّا جامحًا كالتِّينِ في تشرينَ منفتحًا كصوتِ النورساتِ وموحشًا كالخروعِ العاري أمامَ الريحِ يا سري القديمَ كَتَبْتَني في شاطئيَّ بما تريدُ وما كتمْتَ من الخطايا والوعودِ وبيننا قمرٌ يمدُّ أناملي دومًا إليكْ①︎صغيرًا كنتُ أعرفُ أنني رملٌ وبي شغفٌ لأثقبَ رملةً حتى أرى قاعَ الوجودِ وأسمعَ الموتى وأصواتَ القبائلِ كنتُ أبني منهُ أحلامًا مُبلَّلَةً وبيتًا كاملًا للنملِ أبحثُ فيهِ عن أثرِ (السحاتيتِ)* القديمةِ منذ روما والأشوريينَ كنتُ أعدُّ رمْلَ البحرِ في ريشِ القطارسِ وارتكبتُ حماقةً لمَّا تركتُ الملحَ ينخرُ في شفاهِ الرملِ فانهارتْ قلاعي فجأةً وتركتُ ذاكرتي هناك بلا ورقْ②︎ عيناكِ صادقتانِ صفوُ النَّبْعِ في وجهِ المفازةِ جرأةٌ عَلِقَتْ بأذيالِ السرابِ وأشعلَتْ فيَّ التوقعَ والتقرَّبَ منْ شفاهكِ فاغمضي عينيكِ وابتعدي عن التفكيرِ في زمنِ العناقِ قد افترشنا الرملَ تحتَ الظلِّ وانغلقَ المكانُ بصمتِهِ حتى إذا بلغَ الرضابُ الحَلْقَ كانَ الليلُ قد فتحَ السماءَ لكي نرى ما قد حدثْ③︎والرملُ سرُّ اللهِ يبتلعُ الحياةَ وما يمَسُّ الرملَ يلمَسُهُ التآكلُ تحتَ غزةَ ما تشاءُ منَ المُدُنْ ليسَ الذي راحَ انتهى هو آيةُ اللهِ التي تُنبيكَ أنَّ الموتَ من رملٍ وخفقاتِ القلوبِ وما حوى هذا الجمالُ وحين أمشي حافيًا يتسرَّبُ السِّحْرُ الذي في الرملِ  بين أصابعي أستشعرُ الماءَ الذي يُمْتَصُّ مَنْ وئِدوا أمامَ الشمسِ مَنْ ركضوا وراءَ الطيرِ مَنْ سقطوا هنا صرعى التعلقِ بالهواءِ وظلِّهِ وأسيرُ أبعدَ مدركًا أني مَدِينٌ للتأمُّلِ علني أستوقفُ الريحَ التي ساقتْ إلى مدنٍ غيومًا أو روامسَ صامتةْ④︎شهيتي مفتوحةٌ للإعتذارِ لوردةٍ سقطتْ على رملٍ فأشبعَها انتظارًا كي تعودَ ولا يفي الغرباءُ دومًا بالوعودِ وكلما آنَسْتُ زهراتِ الصباحِ أُلامُ أَنِّي لا أرتبُ رملَها قبلَ المساءِ  وأكتفي بمديحها الفاني وما هذا الذي يُرْجَى ولا يُقْضَى وأعرفُ أنني متورطٌ في البوحِ أكثرَ عادَ صوتُكِ يستثيرُ الدفءَ فيَّ يحركُ الترفَ الذي يدعو الخيالَ وأنتهي وقدِ اختزلتُ الحبَّ في عينيكِ ⑤︎ ناديتُ الطريقَ ولا يُجيبُ النائمونَ أنا المُصدِّقُ والصديقُ ألاحقُ الرؤيا وأشبعُ من رقيقِ المَنِّ أصعدُ تلةً وأتوهُ عن أخرى وأفقدُ بعدَها أَثَري وأعرفُ ما ستعرفُهُ وأنسى ما ستنسى والتوددُ للحياةِ يضيِّعُ الأحلامَ  هل تقوى على الريحِ الثقوبُ وهل يطيبُ بقاءُ رملٍ في الجفونِ أنا الذي أفشى لهاتيكَ الفراشةِ ما تناجينا بهِ إذْ في مكانٍ ما سنُكْمِلُ ما تبقى من غزلْ⑥︎والرملُ يسمعُ وشوشاتِ الليلِ يجمعها على مهلٍ ويتركها لتسبحَ بين جدرانِ البيوتِ  وتسمعُ الطيرُ البقيةَ غيرَ أنَّ الصمتَ يفتحُ بابَهُ  ليعيقَ مجرى الريحِ يسلبَها المراوغةَ الطريةَ أَنَّ ما في الليلِ يبقى هكذا لليلِ يا قلبي الصغيرَ عليكَ تقسيمُ الضميرِ إلى وسائدَ لا تُسَرِّبُ ما تفاءلنا بهِ في الحلمِ تغييرُ البدايةِ في اللقاءاتِ الحميمةِ والقُبَلْ⑦︎ويسيلُ  هذا الرملُ في دمِنا شظايا أسمعَتْ أناتِنا للعارفينَ فألهبتْ كلماتِهم بالشوقِ وانكتبتْ رسائلُ لا تُعَدُّ توزعتْ بينَ القلوبِ وطُوِّيَتْ صحُفًا  تناقلَها الرعاةُ المنشِدونَ وصُوِّرَتْ بالنَّقشِ في جُدُرِ المعابدِ واستعادَ الواعظونَ الصدقَ منها  يا بقايا الجرحِ ماذا ينبغي تبليغُهُ للمقبلينَ على صباحٍ من ومَقْ⑧︎ويغريني على نهديكِ لونُ الرملِ بين مراكبِ الصيدِ القليلةِ حين تبدو الشمسُ ناضجةً على ريشِ النوارسِ في الظهيرةِ حيث يخلو البحرُ لا أحدًا سوانا نقتفي ملحَ الهواءِ على ملامحنا وننسى أننا كنا معًا في الرملِ نفقدُ فيهِ ماءَ الرغوةِ الممتدِّ فينا دافئًا⑨︎دائمًا في الرملِ طعمُ النارِ أشهى في المذاقاتِ التي نحتاجُ قهوتُكِ استعدتُ بها اندثارَ الفاتحينَ وصوتَ سهمٍ مارقٍ في الريحِ تفسيرَ انهيارِ الرملِ فوقَ الليلِ أنتِ الآنَ تعترفينَ بي وبنكهةٍ عفويةٍ تأتي من الشباكِ مغريةٍ كأنْ تضعي على كتفيكِ شالًا ما وتنتظرينني في شارعٍ يفضي لأقربِ مرفأٍ وهناكَ ما يكفي هناكْ ⑩︎لأنَّ لونَ الرملِ ألوانٌ سنظهرُ في وجوهٍ   تُنكرُ الماضي وتقبلُ بالقليلِ من التصالحِ ربما هذا الترابُ علاقةٌ رمزيةٌ بينَ الحياةِ ومفرداتِ الظنِّ بينَ القلبِ والصورِ التي في غرفةِ النومِ الصغيرةِ والتصالحُ ليس دومًا واضحًا أو ربما في النفسِ تفسيرٌ لما في النفسِ والأمرُ الذي لم يتضحْ لي لا يزالُ مدونًا في دفترٍ فوقَ الخزانةِ والقراءةُ بعد نصفِ الليلِ ممتعةٌ وتكفي للتكيفِ مع هدوءِ البيتِ والقمرِ الذي لا ينطفىءْ⑪︎عيناكِ أوقاتُ التأملِ واتساعُ الشاطىءِ المكتوبِ عن عمدٍ على رملٍ بلا وطنٍ ونحنُ نراهُ أوطانًا نموتُ لأجلها حتى إذا صرنا شواهدَ تحتَ راياتِ النضالِ يجيءُ من يمحو معالمها ونُنْسَى سخرياتٌ كم نلاحقها وتَسْخَرُ من تفانينا وأنتِ غدوتِ لي وطنًا ترابيَ الملامحِ كاملًا كشجيرةِ الرمانِ مأمونًا كألوانِ الشرقرَقِ سالمًا من كل سوءْ⑫︎يتساقطُ التفاحُ ثمَّ يجفُّ يصبحُ للعصافيرِ الجياعِ حكايةَ الشبعِ التي لم تختلفْ منذ اختلفنا حولَ ما يجدي وما لا نستطيعُ الآنَ تغييرًا لهُ وأمرُّ عن هذي الرسوبياتِ ما كانت هنا بالأمسِ أدركُ وقتَها أنَّ الهواءَ المالحَ انتظرَ الرمالَ على شفاهِ الوقتِ وانقسمَ المساءُ إلى فراغٍ باردٍ وممارساتٍ غير واعيةٍ ورائحةُ المكانِ أحبها وعلى الندى لمعَ المكانُ وما اكتملْ⑬︎ لم يكتملْ شيءٌ تحيتُّنا إليكَ أديمَنا الفطريَّ ها قُلْنا الكثيرَ وما اهتمَمْتَ ولا يغيرُكَ الذي قلنا وتبقى مثلما تبقى فلا أنتَ المُرَاعُ ولا الذي يخشى ونحنُ المنتمينَ لما نرى ونعيشُ نعرفُ ما يدورُ ولا بأيدينا الذي نهواهُ من عينيكِ أعرفُ ما تبقى من دقائقَ للرحيلِ وكم يطولُ عناقُنا لو مرةً صرنا معًا لا تنظري للخلفِ واتخذي معي هذي الوسادةَ فكرةً للإبتعادِ عن القلقْ⑭︎ما أجملَ الدنيا وأصبرَها على زلاتِنا ونسيرُ حيث نسيرُ تعلقُ في أصابعنا رمالُ البحرِ نغسلُها وتعلقُ مرةً أخرى وننسى ما الذي جئنا لهُ يا أيها الرملُ الأخيرُ تعالَ ننهي ما عليكَ وما علينا ثم نقفلُ صفحةَ العشاقِ من كتبِ الهوى يومًا نُصنفها ومراتٍ نبعثرها لتذروها الرياحُ حبيبتي لم تحتملْ هذا فأقفلتِ النوافذَ واكتفتْ بسماعِ أغنيةٍ لها قبلَ المطرْ⑮︎
السبت ٧/٦/٢٠٢٠
واجهات              






ليست هناك تعليقات:

إنزلاقات مرورية

انزلاقات مرورية شعر: علاء نعيم الغول أحميكَ أم أحمي دقائقَ في ضلوعي تحترقْ أنفاسُنا ليست هواءً بل دخانَ الوقتِ مشتعلًا كما فعلت رسائلُنا ...