الواجهة العاشرة: عطر
شعر: علاء نعيم الغول
العِطْرُ مُعتَصَرُ الحقيقةِ شهوةٌ مفقودةٌ بين الفضيلةِ والغوايةِ لسعةٌ رغويةٌ تمتصُّ أولَ رعشةٍ نبتتْ على نهدٍ صغيرٍ واستجابتْ بعدها الرغباتُ وانفتقَ الغشاءُ وفُضَّ واندلقتْ بكاراتُ الأسرةِ وانتشى العقلُ الجموحُ مؤطرُّ اللذاتِ مبتكرُ افتتاحياتِ هذا الليلِ والعطرُ التزامنُ بينَ ألسنةٍ تلامسُ بعضها وَلَعًا وبينَ الماءِ والماءِ اللذيذِ وبين نهديكِ ارتأيتُ بدايتي في قطرةٍ يهتزُّ منها الظنُّ هل عيناكِ مغمضتانِ أم زاغَ البصرْ ⓪︎ ما كان يومًا من طعامٍ أو شرابٍ بل أثيرًا ليسَ يُحْبَسُ في صدورٍ أوحشَتْها كثرةُ النياتِ تنفثهُ الملائكةُ النبيلةُ في هواءٍ عاجزٍ فيصيرَ أكثرَ فتنةً يا حاديَ الزهراتِ عرِّجْ إنْ وددتَ على قرىً قد أنكرتْها الذكرياتُ هناكَ في بيتٍ قديمٍ مرأةٌ جاءت من البحرِ الملونِ والضبابِ ويُستَدَلُّ على نوافذِها برائحةِ الطريقِ الآنَ تكنُسُ بابَها هُدْبُ السماءِ هناكَ طيبٌ من قلوبٍ أيقنتْ أنَّ الذي غذى الحياةَ من البدايةِ وردةٌ ①︎ والعطرُ قولُ اللهِ في آياتِهِ وعدُ النبيينَ الذين اسْتُنْزِفوا بين الهدايةِ والرجاءِ وفاض في أرجائها طِيبُ الدعاءِ تصاعدي سحبَ البخورِ فللملائكةِ العروجُ ولي هنا أملُ الولوجِ إلى هواءِ الزعفرانِ مبارَكًا أنَّى وطئتُ أماكنَ العشبِ النديةَ سابحًا في غيمةٍ عطريةٍ فتحتْ جلالَ الإنعتاقِ مرفرفًا في راحةٍ قدسيةٍ يا عطرُ زِدْ من شوقِكَ العلويِّ واصعدْع بي إلى حيثُ السماءِ أرى البعيدَ ولا يراهُ الآخرون ②︎ وعقولنا أيضًا عطورٌ أيها أزكى منوطٌ بالذي سارتْ بهِ أفكارُنا وأنا وأنتِ الآن عطرٌ من زهورِ البرتقالةِ والفانيلا غير أني في الشتاءِ أفضلُ العطرَ المُعَدَّ من الخشبْ كوني معي في الليلِ لن نحتاجَ أكثرَ من مكانٍ دافىءٍ سنكونُ ملتصقينِ هذا ما يراهُ الوقتُ ما تأتي بهِ النظراتُ لن يغتالَنا إلا الذي يغتالُنا عطرٌ وموسيقى وقهوتُنا وإنْ شئتِ المزيدُ من النبيذِ وكم أحبُّ اللوزَ أيضًا مالحًا شيئًا③︎ أبدو كما نبدو ويعبقُ بي فراشكِ حين ننزعُ قطعةً أخرى ويغلبُنا النعاسُ وتنتشي أفكارُنا بالورد أو ما ينبغي من قبلةٍ إذ لستُ أدري كيف تزدحمُ الحياةُ الآن في رأسي وبين يديكِ ثم تهبُّ من خلفِ المدينةِ نسمةٌ من عشبِ بَحْرِكِ لا تقولي الآن شيئًا لا يزالُ الوقتُ أبكرَ هل تعلقنا ببعضٍ ربما أكثرْ وقالَ الصيفُ ما قال الخريفُ أنا أحبُّ البيلسانةَ واتقاءَ الحرِّ أجملَ في ظلالِ الزنزلختِ ④︎ توقعي ألا نحبَ سوى المُحَبِّ من القديمِ وما استجدَّ يكونُ مما كانَ تشبهنا العطورُ جميعها وتعيشُ فينا الذكرياتُ كما يعيشُ اللوتسُ الصيفيُّ فوق الماءِ هلْ جربتِ تعطيرَ المقاعدِ قبلَ أنْ يصلَ القطارُ فقد ننامُ لساعةٍ متوسِّدَيْنِ شعورَنا بالإحتماءِ ببعضنا مما يجيءُ هي الحقائبُ تستعدُّ لأن تغادرَ قبلنا وتوقعي أنْ نتركَ البحرَ الصغيرَ على وسادتنا ليروي قصةَ العشبِ الطويلةَ يومَ كان الموجُ يغري النورساتِ وكنتِ أنتِ تُطَيِّبينَ الرملَ من قدميكْ ⑤︎هذي الخلايا المجهريةُ ليس يشبعها الحنين ونحن أيضًا مجبرون على المنافي والرحيلِ ونحملُ الباقي من الباقي صداقاتٍ وذاكرةً وفي هذا الغيابِ نصيرُ رائحةً وعطرًا ربما للآخرين ومَنْ سيذكرُنا على سهوٍ ودون تحكمٍ بالقلبِ يا عطرَ المنافي ما السبيلُ إلى اغتسالكَ من ملابسنا القديمةِ والتخلصِ من خلايانا الثقيلةِ وهي ترشحُ بازديادٍ في ليالي الصيفِ في وهجِ الجلوسِ أمامَ هذا البحرِ تغرينا المقاهي والتسكعُ من مكانٍ ما لبيتٍ ما يناسبُ مَنْ يناديهِ الهروبُ إلى المحطاتِ البعيدةِ والمدنْ⑥︎حمَّامُكِ اليوميُّ من عطرِ اللافندرِ رغوةُ الصابونِ تنعشُ مفرداتِ العشقِ فيكِ وأنتِ تنغمسينَ في حوضٍ تغطى بالهواءِ ومغرياتِ الماءِ ماذا بَعْدُ هذا المشهدُ المغمورُ بالبللِ اللذيذِ يثيرُ رائحةَ النعومةِ والفضولِ ورغبةً في أنْ نكونَ هناكَ جلدكِ ممسكٌ عطرَ الخزامى باشتهاءٍ يفتحُ التفكيرَ يخدشُ نشوةَ النظراتِ والصمتِ البليغِ وبالغي فيما أبالغُ في تأملهِ معكْ ⑦︎ كتبوا رواياتٍ ودُوِّنَتْ الأساطيرُ الغريبةُ عن عطورٍ كانَ منها السِّحْرُ أفسَدَتِ العلاقاتِ التي حكمتْ قديمًا أهلها فلتَحْذَري المشمومَ من بينِ الهدايا واحرقي ثوبًا رششتِ عليهِ عطرًا كان من غرباءَ مثلي قد سحَرْتُكِ مِنْ هنا وزرعتُ رائحةً تسافرُ في بياضِ الريشِ نحوكِ كلُّ نافذةٍ لها أسرارُها زوارُها وهواؤها وجعلتُ قلبَكِ لي ولي وحدي أنا خلَّطْتُ نوتاتِ العطورِ ببعضها وعبثتُ عمدًا بالمقاديرِ الدقيقةِ والنتيجةُ أننا في حوضِ ماءٍ واحدٍ وأنا وأنتِ الهاربانِ⑧︎الكائناتُ المجهريةُ مرةً أخرى تفيقُ ولا يغذيها سوى هذا الرذاذِ المُرِّ ينعشُها لتبدأَ في التهامِ منابتِ الضجرِ العميقةِ ثم تسبحُ في مشاعرِنا كنملٍ جائعٍ والعطرُ يدفعها بعيدًا ثم أبعدَ هكذا أتخيلُ الأمر البسيطَ كفكرةٍ تأتي إليَّ من الفضاءاتِ التي لم تُغْزَ بعدُ وأنتِ لي لونُ المجرةِ وهي تلتهمُ النجومَ وتكسرُ الضوءَ المسافرَ في غياهبها وفي عينيكِ آخرُ ما أرى في الكونْ ⑨︎ هنا وهناكَ تتفقُ الحياةُ على مكانٍ بيننا فقط الذي نرجوه أن نبقى كما ذراتُ هذا المسكِ في مسماتنا تبقى ولا تبقى ولكن غُذِّيَتْ من طيبهِ أرواحنا يبدو البقاءُ هو اتزانُ القلبِ والرغباتِ توظيفُ الدقائقِ بيننا بمهارةٍ محسوبةٍ لا أنتِ تبتعدينَ عن دقاتِها ولا حتى أنا حبلُ المشيمةِ بيننا ماءٌ يمرُّ من المسافةِ للمسافةِ سائغًا وهنا هنا والباقياتُ من الدقائقِ شهوةٌ مفتوحةٌ لمكاشفاتٍ ممكنةْ ⑩︎ وعدٌ كما وعدُ الفراشةِ أنْ نطيرَ وقد حملنا وِزرَنا حُبَّا وشكوى والرفاهيةُ التي في المسكِ أيضًا تستحقُّ وعودَنا حتى إذا بلغتْ سماءً غير غائمةٍ تخلصنا من الجملِ الأخيرةِ في تفاصيلِ العتابِ ولم نزلْ متفائلينَ وموقنينَ بأننا لم نرتكبْ سوءًا وفي نياتِنا أنْ نسحبَ الدنيا بعيدًا عن طريقِ الشوكِ نسلكَ شارعًا فيهِ الإضاءةُ شبه كافيةٍ لنقرأَ شاخصاتِ مدينةٍ مفتوحةٍ للبحرِ واتسعتْ خطانا وابتهلنا أيها العطرُ الذي فضحَ الليالي الباذخاتِ وعبَّقَ الصلواتِ خُذْ أحلامَنا منا ودعنا في نوافذنا الصغيرةِ قادرينَ على التعاطي مع بقايا القلبِ والصورِ التي أمتلأت بنا ⑪︎حتى إذا بلغَ الهواءُ اللوزَ قلنا لن نموتَ ولن نبالغَ في السكوتِ حبيبتي ماذا تبقى في زجاجةِ عطركِ الحمراءِ ماذا ينبغي تغييرهُ حتى تليقَ بنا الحياةُ هنا وفي الدنيا كما في كلِّ شيءٍ صورةٌ مخفيةٌ تبدو لنا مجروحةً ونقيةً أيضًا ألا هذي الحياةُ مسافةٌ مقطوعةٌ وتعيدُ فينا الشوقَ مراتٍ ويبقى الحبُّ شمعتُنا التي لا تنطفىءْ ⑫︎
الجمعة /٦/٢٠٢٠
واجهات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق