حقيقةُ ما همسَ به الناسكْ
شعر: علاء نعيم الغول
الصافراتُ الآنَ تأتي من وراءِ
مزارعِ القطنِ البعيدةِ في بلادِ
الماءِ والشمسِ التي لم تنتبهْ
للبوصِ وهو يجفُّ كان الطيرُ أجملَ
حين كنتُ بدونِ أمزجةٍ وكنا
مؤمنين بأننا لا نستحقُّ سوى القيامةِ
وهي تفتحُ سلمَ الغيمِ الطويلَ إلى
الفراديسِ العليَّةِ
حاديَ الروحِ انتظرْ
ماذا عليكَ لو انتظرتَ فقد تركتُ
صحيفتي في الريحِ كيما ينشفُ
الورقُ المُحَبَّرُ باتهاماتي لنفسي
والذي لم أستطعْ تفسيرهُ بالأمسِ
وانتظري معي فلنا شرانقُنا وألوانُ الحريرِ
تلفُّنا بنسيجها القمريِّ تنبجسُ الينابيعُ
العميقةُ من خطانا واغمسي ظلِّي وظلَّكِ
في كؤوسٍ أُتْرِعَتْ بلهاثِنا وعذوبةِ
الريقَيْنِ هذا أنتِ نحنُ لنا اجتهاداتُ
المسافةِ بيننا وتلامساتُ الشوقِ في
غرفٍ أصابتنا بأنفسِنا تعالَيْ نحتسي
صمتي وطعمَ تلامسِ الدنيا بنا
تتصاعدينَ كما الدخانُ وتختفين وراءَ
سِتْرٍ من أثيرٍ قرمزيِّ القدِّ ممشوقٍ
كأنثى عابثٍ كالعشبِ تنقسمينَ منِّي
قطعةً مغموسةً في شهوةٍ جُنَّتْ بطعمِ
النزوةِ البيضاءِ تلتصقينَ أكثرَ بي
فتُسْقِطُنا اللزوجةُ من أصابعها قطيراتٍ تعرَّتْ
من براءتها وصارتْ نطفةً صمغيةً في رحمِ
هذا الليلِ لا تتكاثرُ النيَّاتُ لن تُحْصَى ارتعاشاتُ
الضميرِ ونحنُ نلعَقُنا بألسنةٍ كما الإسفَنْجُ
تمتصُّ الفجاجةَ وازديادَ الملحِ في الماءينِ
لا أنتِ الغريقةُ في اللهاثِ ولا أنا سيضيعُ مجدافي
بعيدًا في مصبِّ النهرِ فانتهكي أمامي ما لديكِ
من الفتونِ وجرأةٍ مفتوحةٍ معنا كأنكِ
تمنحينَ الليلَ حرَّ الشمسِ تنزلقينَ في بهوِ
اللهيبِ وتستبيحينَ المناماتِ التي قفزتْ
إلى سقفِ المخيلةِ الطريِّةِ أنتِ تغتربينَ
في أسمائكِ الأخرى وتبتلعينَ طعمَ تأوهاتكِ
خلفَ أمزجةِ النوافذِ هكذا تتسابقينَ
مع الطيورِ وتنهلينَ من الينابيعِ الخفيِّةِ
بين غاباتِ الظنونِ معًا تشظَّيْنا
على وجهِ الرخامِ ولمْلَمَتْنا الريحُ ثانيةً ولولاها
لكُنَّا في مناقيرِ الطيورِ وحوصلاتِ فراخها
ماءً وقوتًا كان يمكننا التناثرُ كالبذورِ
نضيعُ في طينٍ تشققَ تحتَ حرِّ الشمسِ
هل قنواتُنا شَعْرٌ تلاصقَ بيننا
كَمْ فِضْتَ فيها يا نُهَيْرَ الوَجْدِ واستبدَلْتَ
آسنَ مائها بلذيذِ جِعَّتِكَ التي ملأتْ جنونَ
شفاهنا همسًا تبللَ هكذا ويذيبني أني
أجدِّلُ عاجَكِ المائيَّ بين يديَّ أقترفُ
اشتهاءَكِ ممسكًا وَلَعَ الفضولِ
أظافري تغتالُهُ في وشوشاتكِ لا تنامُ ولا تُنيمُكِ
هكذا حتى إذا ارتفعَ النشيجُ عصرتُ
قلبَ الوردِ إذْ يتمزقُ العشاقُ ينتهزونَ فرصةَ
أنهم موتى فيبتلعونَ طعمَ الخيبةِ الأولى
ويفترشون حسرتَهم أمامَ مصبِّ نَهْرٍ
جارفٍ فيُرَوَّضونَ كذئبةٍ شَبقَتْ على مرأى
من الجوعى ومن جَرَّ القطيعَ فأجهدوها
مرةً عدوًا ومراتٍ من النزوانِ
وانهمرتْ على رملِ الغواياتِ الفضيلةُ
وهي تلهجُ بالدعاءِ حبيبتي نستنطقُ الشبعَ
القديمَ فلا نموتُ ولا يموتُ لتنبتَ القمحاتُ
من وجعِ الترائبِ وانهمالِ الماءِ من حقويكِ
حتى يستفيقَ الرَّحْمُ تنشغلَ البطانةُ
بارتشافِ عصارةِ الدَّفْقِ المعدَّةِ
لابتهالاتِ الفحولةِ في أتونِ العتمةِ الملأى
بتوقيتِ القيامةِ واحتمالاتِ المصيرِ كما يراهُ
الربُّ مَعْبَرُنا معًا جدرانُ معبدِكِ المُصابِ
برعشةٍ قدسيةٍ صرَعَتْ مساماتي
وأوقفتِ الشهيقَ للحظةٍ و وجدتُ أنكِ
تغمسينَ سوادَهُ الجلديَّ في حوضِ الحليبِ
تُعٍمِّدينَ عظامَهُ أم ساقَهُ العرجاءَ
وهي تخضُّ زُبدَتَكِ الطريةَ قد بلغتِ الشَّأوَ
حين على الشفيرِ هدَأتِ وانبجستْ
فقاعاتُ ارتوائكِ رغوةً فُضِحَتْ بطعمٍ
من غضيضِ اللوزِ لا لا تبحثي في
المعجزاتِ تفاءلي حتى نروِّضَ فكرةً
نقتاتُ منها المَنَّ والسلوى تهانينا لهذا
الشوقِ كيفَ تورَّدَتْ أشواكهُ وتناثرتْ
بيني وبينكِ واقبلي أنْ نعتلي صهواتِ هذا
المَدْحِ حتى سِدْرَةِ السَّهَرِ الكثيفةِ ما الذي
ملأَ القناةَ بكلِّ هذا الماءِ غيَّرَ فكرةَ المَجْرَى وأنهكَ
نزعةَ الفرحِ البريئةَ بيننا تتجرعينَ توسلاتِ
الريقِ ترتفعُ السخونةُ حين ننتفضُ انتباهًا
للمسافةِ كيف تُضْمِرُ نيَّةً منزوعةً من قِشْرِها
لتظلَّ عاريةً ألا تتماسكينَ مع اللزوجةِ تصعدينَ
إلى ذرى الليلِ الهلاميِّ المُطِلِّ على فصولكِ
والمُشَبَّعِ بالتوقِّعِ ثمَّ يتركُني لأسقطَ فوقَ
مهجعكِ الأنيقِ بجرأةٍ متروكةٍ
لتسيلَ مُرْتَشَفًا لعابَ محارةٍ بيضاءَ
هل هذا اشتعالكِ أم أنا حين التصقنا فجأةً
وتغيرتْ إذاكَ فينا غايةُ الجِلْدِ القديمةُ
عودُ كبريتٍ سيشعلُ غابةً وأنا الحريقُ
وهكذا في كلِّ أسئلةِ البقاءِ ستعجنينَ
رغيفَ وحدتكِ الأخيرَ على صفيحٍ
من لهاثكِ سوفَ ينضجُ حاملًا سرَّ
اختماركِ بين رائحتي وماءٍ منكِ
قد كانَتْ أظافركِ الطويلةُ قد تغذَّتْ منهُ
دافئةَ النصالِ وحين يأتي الليلُ يغرزُ نابهُ
الشبقيَّ فينا مثلَ نابِ الصَّلِّ ثم نغيبُ
عن وعْيٍ تسرَّبَ من مفاصلنا الطريةِ
فاهدأي حتى نجربَ رعشةَ البدءِ التي
تهبُ الحياةَ وما الذي فينا اختلفْ
ما ليس لي ذاكَ الذي ما ليس لي
كلُّ الكلامِ محرَّمٌ ما دامَ حقي ليس لي
وأنا هنا ذاك الغريبُ توقفي يا معجزاتُ
عن انتهاكِ حقيقتي فأنا سليلُ الماءِ والطينِ
المبارَكِ صاحبُ الهالاتِ والروحِ السخيةِ
أحملُ الكونَ الصغيرَ كخاتمٍ في إصبعي
مَنْ ذاكَ مثلي دائمُ الصلواتِ في جوفِ
المجرةِ والكهوفِ أرى القيامةَ دائمًا طبقًا
أمامي لامعًا وأرى طيورًا تحملُ
الأرواحَ تلقيها على نُتَفِ الغيومِ وفي يدِي
البيضاءَ كلُّ صحائفي أما رفاقي الطيبون
فقد تنادوا بينهمْ هيا إليهِ يأمُّنا لخلاصنا
ما أجملَ الدنيا وأقسى الشوقَ
غاياتي مؤجلةٌ وأحلامي معجلةٌ
وفي قلبي شظايا قلبها حينَ اقترفنا
ما اقترفنا لا عليكِ حبيبتي فأنا دليلكِ
للنهاياتِ المصابةِ بالتوردِ حين ينكشفُ
المغيبُ أمامنا بابًا بلا بابٍ سنعبرهُ
إلى غرفِ الخلودِ بدونِ أسرجةٍ وقد فُرِشَتْ
لنا بُسُطُ السكينةِ واغترفنا من نعيمٍ باذخٍ
شهدًا وطلَّاً أيها الملكوتُ ياهذا الفراغُ
السرمديُّ تعالَ نقتسمُ الكمالَ أنا البدايةُ
ثم أنتَ بدايةٌ للوردِ في ذاكَ السكونِ
حبيبتي سنعيدُ تجريدَ العقاربِ
من دقائقها ونهمسُ في وسادتنا بشيءٍ
فاضَ فينا إننا سرُّ البقاءِ وغايةُ الكونِ
القديمةُ والجحيمِ وما على سررِ الفراديسِ
البهيةِ من نعيمٍ كلُّ ما في الروحِ روحٌ غير
كافيةٍ وتطعننا النهايةُ مثلما النظراتُ
تخذلنا الحياةُ وبعدَ هذا كلهِ نلقي صحائفنا
على ماءِ البحيرةِ فانقذيني يا حبيبتي
الشهيةَ من قشورِ الملحِ في جسدِ الفقاعةِ
أخرجيني من شرانقِ هذهِ الدنيا مَنْ يلومُ
لو اتخذتِ طريقَكِ المفتوحَ خلفَ فراشةٍ
بيضاءَ تعرفُ أننا جئنا كما جاءتْ وحين
نفيقُ من هذا السباتِ ستنمحي عنا الخطايا
لن نفكرَ بعدها في البوحِ أكثرَ لن نخافَ
من اقترافِ القُبلةِ الأولى
ولستُ بناسكٍ إنْ لم أكنْ كونًا وجناتٍ
وفي قلبي القيامةُ والحسابُ وقبلها الرؤيا
وما في الشهوةِ الأولى من الفجواتِ نملأها
على مهلٍ ونقرأُ من نقوشِ وجودنا ما ليس يُمحَى
من أظافرنا وشهقاتِ العناقِ وللبدايةِ ما لنا
يا أيها القلبُ النقيُّ إليك وعدُ الربِّ
أنكَ مضغةٌ من مِسْكْ.
الجمعة ٦/١٢/٢٠١٩
فطامُ الناسك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق