القضية الفلسطينية وانعكاساتها في الأدب الأمريكي
بقلم: علاء نعيم الغول
ملخص
تعالج هذه الدراسة القضية الفلسطينية وكيف تظهر في الأدب الأمريكي من خلال تسليط الضوء على مرتكزات محددة تتمثل أولا في تتبع الكتابات الأمريكية الأولى وكيف أثرت على الكتاب الأمريكيين فيما بعد. والمرتكز الثاني يدور حول استعراض بعض آراء الكتاب والشعراء الأمريكيين حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بينما المرتكز الثالث يستعرض بشكل سريع تعاطي الشعر مع هذا الموضوع والنقطة الرابعة تدور حول الرواية السردية من خلال استعراض إحدى الروايات المحورية في الأدب الأمريكي كمثال للرواية الصهيونية عن طبيعة الصراع وخامسا القضية الفلسطينية في أدب الأطفال وما هي المحددات التي تبنتها الدعاية الصهيونية في تشكيل الوعي عند الأطفال وفي النهاية تقدم الدراسة بعض التوصيات التي قد تدعم في إعادة رؤية وصياغة مختلفة لمواجهىة الهجمة الصهيونية المدعومة من السياسات الأمريكية.
Abstract
This study tackles the Palestinian issue from the perspective of the American Literature through certain determiners represented first by tracing the early American writings and how they influenced the American writers that were yet to come. The second point reviews the stances of some of the contemporary American writers towards the Palestinian Israeli conflict, where the third point quickly sheds light on poetry and how it reflects this issue. Fourthly, fictionally and narratively speaking, the study adopts a pivotal novel as a representation of the Zionist account about the nature of the conflict. The fifth point centers on the Palestinian issue in the American Children Literature and the key elements the Zionist propaganda has adopted to form the children’s awareness. Finally, the study lists some results and recommendations that may help support and reconstruct a different view and attitude to confront the Zionist offensive backed up by the American policies.
مقدمة
تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على انعكاسات القضية الفلسطينية المتمثلة في الصراع الفسطيني الاسرائيلي على الأدب الأمريكي وذلك من خلال الاستشهاد بما توفر من الأدبيات والأعمال وتتبع ما ساهم به كتاب الولايات المتحدة الأمريكية سواء منهم الكتاب الأمريكيو الأصل أو من أصل يهودي أو عربي وبالتطرق الى الأجناس الأدبية التي تم من خلالها تصوير و وضع القضية الفلسطينية في الاطار الذي جعل منها قضية محورية تستحق الاهتمام والتركيز عليها من خلال الكتاب والباحثين والدارسين و المهتمين بالمجال الأدبي.
وقامت الدراسة على خمسة محاور متبنية النهج التاريخي والاستقرائي في التعامل مع بدايات ظهور الكتابات الأدبية التي اهتمت بفلسطين وقدمتها للقارىء الأمريكي من النواحي الدينية والتاريخية والسياسية والجغرافية إلى أن ظهرت القضية الفلسطينية وتشكلت بأبعادها المتشعبة في صورة الصراع القائم حتى هذه اللحظة بين الفلسطينيين واليهود. وما كانت لتبرز فلسطين وقضيتها في الأدب الأمريكي لولا أهميتها الدينية في الأساس وهذا ما طرحته الدراسة في المحور الأول في كتابات كل من مارك توين وهيرمان ميلفيل اللذين لفتا أنظار الأمريكيين الى الأرض المقدسة وخلقا من خلال كتبهما واقعا سياسيا لدى الطغمة الحاكمة في أمريكا من القرن التاسع عشر حتى الآن. وهذا نقلنا بدوره في الدراسة للمحور الثاني الذي استعرض مواقف وآراء العديد من الكتاب الأمريكيين المعاصرين والمعروفين والحاصلين على جوائز أدبية كبيرة تجاه الصراع القائم بين اليهود والفلسطينيين لكي يتسنى للمهتمين بمثل هذا الموضوع معرفة التركيبة الفكرية والاتجاهات السائدة بين الكتاب في أمريكا حيال المسألة الفلسطينية بين من هو مؤيد للفلسطينيين ولعدالة قضيتهم في الدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وممتلكاتهم و بين معارض يتبنى موقف اليهود في مزاعمهم بأنهم الأحق بفلسطين من أهلها وبين محايد يرفض أن يتعرض لهذه المسألة كونها لا تهمه وليس من حقه البت في أمرها أو تبني موقف تجاهها.
المحور الثالث الذي يلي هذا تركز حول الشعر و ما قدمه الشعراء من عرض للهوية الضائعة لدى المهاجرين من أصول عربية وكذلك شواهد من الأرض المحتلة عن ممارسات الجيش الاسرائيلي ضد الابرياء العزل والشعر في هذا الخصوص يعد واحدا من الأنماط الأدبية الشائعة بين الأوساط الأدبية في أمريكا.
وفي المحور الرابع تطرقت الدراسة لنقل الرواية اليهودية كنموذج حي على ما يروجه الكتاب الصهاينة و الأمريكيين الداعمين للموقف اليهودي، وكان ذلك من خلال العمل الأدبي لفليب روث Operation Shylock: A Confession واستعراضه بشكل يبرز الأسس التي تبنتها الحركة الصهيونية والمبررات التي اتخذتها كذريعة لتضليل الرأي العام وخلق حقائق مغلوطة عن طبيعة الصراع وجوهر القضية في منطقة الشرق الأوسط.
وأخيرا يلقي المحور الخامس الضوء على أدب الأطفال الأمريكي وكيف روج للدعاية الصهيونية على حساب القضية الفلسطينية من خلال التركيز على أن الأرض لا يستحقها سوى اليهود وأن الفلسطينيين ليسوا أكثر من صور نمطية للتخلف ولا يستحقون الوجود في ذلك المكان ويجب أن يتركوها لمن يستحقها وأولى بها.
القضية الفلسطينية: البدايات في الأدب الأمريكي
في مقال بعنوان "فلسطين الأمريكية: مارك توين والسلعنة الرحلاتية للأرض المقدسة" يقول كاتب المقال هيلتون أوبينزينجر إن القدس مثلت للأمريكيين الذين تمزقت هويتهم بعد الحرب الأهلية ومقتل أبراهام لينكولن النواة الثقافية وقبلة يرتحلون إليها لاستعادة والتأكيد على مصداقية الأسطورة الأمريكية الدينية والقومية التي تسيطر عليها الكنيسة البروتستانتية. وبهذه العبارة تتضح الصورة الأولى والواضحة للاهتمام بفلسطين في الاعمال الأدبية الأمريكية ليس من باب كتابة إبداعية مجردة فحسب بل كهدف بنيوي يعيد صياغة وتشكيل النسيج الكلي للشعب الأمريكي من شماله لجنوبه تحت فكرة واحدة كفيلة بأن توحد مشارب الشعب الأمريكي جميعها. وهذا ما كان يرتب له الرئيس أبراهام لينكولن حين قال قبل اغتياله "كم أتوق لزيارة القدس في يوم ما" . ويبدو أنه كان يعلم جيدا بمدى أهمية هذه الزيارة لو تحققت له بالفعل في توحيد ولملمة ما تمزق من الأمة الأمريكية، وأن الهدف لم يكن دينيا بل استغلال الدين لأغراض سياسية.
وبالفعل لم تتح الفرصة لابراهام لينكولن لزيارة القدس ولكنها كانت من حظ الجنرال جرانت بعد توليه الرئاسة والقيام برحلته عام 1877. وكما هي العادة عند الكثير من الزعماء الذين يقومون برحلات بعيدة أن يأخذوا معهم كتبا عن الوجهة المقصودة، فقد كان من بين الكتب التي حملها معه جرانت الى جانب الانجيل كتاب مارك توين "الأبرياء خارج الحدود" المنشور سنة 1869 وهو كتاب "ساخر ومحاكاة مضحكة لكتب الرحلات إلى الأرض المقدسة ... والتهكم على النفاق الديني. “ويستطرد أوبينزينجر قائلا إنه وبالرغم مما حظي به الكتاب من شهرة وأنه من الأكثر قراءة في الأدب الأمريكي من كتب الرحلات، إلا أنه لم يركز بالقدر الكبير على الشرق الأوسط. ويتساءل كيف لكتاب مثل هذا أن يلعب دورا جليلا في تقديم فلسطين العثمانية في ذلك الوقت للخيال الأمريكي وكيف استطاع أن يغير الموقف الأمريكي من فلسطين العثمانية خاصة مع بداية انطلاق الاستعمار الصهيوني .
ومن الأشياء التي تسترعي الانتباه في هذا السياق الاقتباس الذي تناوله أوبينزينجر من كتاب مارك توين السابق الذكر"الأبرياء خارج الحدود" الذي يشير فيه الى اشكاليات التناص التي ستتولد في مشاعر الزائرين للأرض المقدسة حتى مع الانجيل نفسه. "أستطيع تقريبا القول، وبعبارة واضحة، ما سيقوله الزائرون عند رؤيتهم لجبل طابور والناصرة وأريحا والقدس ... سيتحدث الحجاج عن فلسطين عند عودتهم للديار ليس كما شاهدوها، ولكن كما ظهرت لثومسون وروبينسون وجرايمز، ولكن بصبغات مختلفة تلائم عقيدة كل حاج" ، والكلام لمارك توين. من هذا نرى كيف سيتم التعامل سلفا في الكتب اللاحقة عن فلسطين وكيف سيتم الترويج واستغلال أهميتها الدينية لكسب مواقف سياسية وخلق أراء معادية ومؤيدة في الوقت ذاته للرؤية اليهودية التي تخدم المصلحة الأمريكية في تبرير وجودها الاستعماري.
وقد امتلأت اذاك المكتبة الضخمة بالكتب الامريكية المتعلقة بالأرض المقدسة وكذلك بنصوص أدبية ورحلاتية لتشترك وتتفاعل مع المكان الفعلي لهذه الكتب. ففلسطين شكلت إثباتا على مصداقية الانجيل وكذلك تحقيقا للنبوءات اليهودية في استعادة وجودهم فيها. وكان ينظر لفلسطين كشواهد على تحقيق هذه النبوءات والمشاريع التي تسهل هذه النبوءة مثك مستعمرة آدمز في مدينة يافا . وقد قام مارك توين بأمركة كل هذه الشواهد والتباينات والاحباطات المتعلقة بواقع فلسطين من خلال عنف ساخر ومفتعل .
وما يسهل على الدارس النظر في هذه المسالة معرفة أن الاستمرارية في وتعزيز الكتابة عن وزيارة الاراضي المقدسة أصبح جزءا من عملية خلق القومية الأمريكية كمجتمع استعماري استيطاني. ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما قامت به الكنيسة المورمونية بأرسال أورسون هايد عام 1844 إلى القدس لاقامة احتفال يعلن فيه استعادة اليهود الوشيكة للأرض المقدسة .
لم تقتصر كتابات مارك توين في هذا الشأن عن فلسطين و الأرض المقدسة على كتاب "الأبرياء خارج الحدود"، ففي كتاب آخر نراه يعرض الفكرة الصهيومسيحية المتعلقة بالملكية والسيطرة على أرض وممتلكات الآخرين تحت فرضيات ومزاعم إمبريالية بحتة. ولكي نعرف مدى خطورة وانعكاس هذا المفهوم على فلسطين و واقعها في الأدب المنظور الأمريكي، أقتبس حوارا من رواية "توم سوير خارج الحدود" حين ينفجر توم محبطا ليواجه تأكيدات هاك وجيم بأن اللصوصية تكمن في سرقة أرض الآخرين: "إنهم يملكون الأرض فقط الأرض نفسها وهذا كل ما يملكون ولكن اليهود والمسيحيين منا من جعلها مقدسة وليس لهم أن يبقوا هناك لتدنيسها. إنه لأمر مخزٍ وعلينا الا نتحمله دقيقة واحدة، يجب أن نزحف ضدهم نأخذ الأرض منهم." في النهاية يتوقف توم عن مجادلة الذين يفكرون في الأشياء اللاهوتية بنفس القوانين التي تحمي حقوق الملكية. وهذا في حد ذاته يجعل من الحروب الصليبية أمرا منطقيا وما تقوم به أمريكا من التدخل في استعمار المنطقة يتساوق مع صهيونية هيرتزل في إعطائها لليهود والمسيحيين بنفس القوانين التي تحمي الممتلكات وهي في نفسها العلاقات البرجوازية التي وضعت مقبرة آدم بشكل يخلو من التبجيل في نطاق المواقع السياحية.
ونستشهد في موقف مماثل وداعم لما أسلفه مارك توين بكاتب وروائي آخر حظي أيضا بشهرته وأهميته في الأدب الأمريكي ألا وهو هيرمان ميلفيل. وسنرى فيما سنعرضه مدى تأثير وانعكاس ما كتبه على الفكر الأمريكي المتعلق بفلسطين والأرض المقدسة، فإنها تبدو جلية في ملحمته الشعرية "كلاريل: قصيدة حج إلى الأرض المقدسة" وهي عمل سردي مليئ بالحوارات التي تناقش العديد من القضايا الروحية والسياسية في ذلك العصر وتعتبر عملا ممتعا وصعبا وغريبا كونها أيضا تقدم ميلفيل على أنه رحالة ليس من النوع التقليدي بل يحمل مسألة للبحث عنها و عن إجابات للأسئلة المصيرية ومتشككا متطرفا لا يتوقف عند الاجابات المتوقعة . ففي عام 2009 تم عقد المؤتمر الدولي السابع لجمعية ميلفيل بعنوان "ميلفيل والمتوسط" في القدس الشرقية وحضره أدباء من معظم العالم بما فيها الصين وبريطانيا واليونان وايطاليا واليابان وبولندا وأسبانيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية بستين ورقة بحث تقريبا ولم يكونوا حجاجا بل باحثين عن شواهد نصية في المكان الذي مكث فيه ميلفيل في دير مار سابا الذي ظهر وبأهمية كبيرة في ملحمته (كلاريل). لقد جاؤوا ليقرأوا المكان وحقيقة الأرض المقدسة وفي أيديهم قصيدة حج على غرار الكتاب الأمريكيين الرحالة الى الارض المقدسة في القرن التاسع عشر وفي أياديهم الأناجيل. جاؤوا من أجل التأكد من حقيقة الشواهد النصية في الكتب والاطلاع على حقيقة المكان الذي يزوره السياح ولديهم رؤية مشوهة عن فلسطين المكان والأرض في النصوص المقدسة لديهم والأساطير الثقافية و كذلك السرديات القومية .
وتقتبس البروفيسور آمي كابلان من جامعة ينسيلفانيا عبارة من رواية "السترة البيضاء" لهيرمان ميلفيل التي صدرت عام 1850 الكثير من احساس ميلفيل في اجتياز الحدود حين يقول إن الأمريكيين يتغربون عن الأوطان لكي يصبحوا قوميين مع العالم. وجميع المشاركين في المؤتمر انخرطوا في المسألة نفسها أنهم يغادرون أمريكا ليعرفوا ديموقرطية العالم الجديد من زاوية أوضح ليصبحوا جزءا من العالم الأكبر. وما هي الخطوة التي يعرضها ميلفيل "لتأميم" العالم، الكرة الأرضية، الأديان، القوميات، الأنظمة، والآمال؟ هل يقصد ميلفيل مصادرة أملاك الآخرين؟ أم يقترح تجاوز الحدود لاعتناق عالم أوسع؟ وكما هو الحال مع كلمات ميلفيل أنها تحمل أكثر من معنى .
لسنا في معرض تحليل هذا العمل الأدبي وانما فقط لتسليط الضوء على مدى تغلغل فلسطين في العمق الثقافي والفكري لدى الكتاب في العالم الجديد وكيف تتقاطع هذه الكتابات مع فكرة ميلفيل عن "الأمة" و"الوطن" وجعل امتلاك ذلك طبيعيا عن طريق الايمان والجغرافيا. فالغرب سيطر على معظم العالم باسم الحضارة وهذا الدور الطبيعي مدعوما بالدين أدى الى حتلال الاراضي ومصادرة الممتلكات وسلسلة من نزع الملكية في فلسطين وأمريكا. إذا كانت النسخ الجديدة من فكرة "الوطن" تعني ادراج البعض واستثناء الاخرين فما أسوأه من مفهوم. اذا لم يكن البيت ببنائه غير آمن في القدس فكيف يكون البيت الروحي آمنا؟ كيف استطاع الغرب جعل الاستعمار والقومية والامبراطوريات أمرا طبيعيا؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محورا أساسيا في هذا المؤتمر ومدى انعكاس الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في التجارب الأدبية في الولايات المتحدة.
وفي تحليل قام به البروفيسور Thomas L. Thompson المتخصص في اللاهوت في جامعة كوبينهاجن لجميع الإشارات التوراتية في رواية (موبي ديك) و الملحمة (كلاريل) وجد أن الملحمة هي الأقل حساسية للتشويهات الاستشراقية و تتعارض تماما مع رومانسية الاستشراق في ذلك الوقت معتبرا أن الاشارات التوراتية المتعلقة بالادعاءات السياسية والدينية اليوم خاصة المتعلقة بالتحريفات والتشويهات خاصة فيما يتعلق باسطورة الارض الخالية وهي فقط لتبرير الاستيطان الاستعماري. ويستشهد كيف أن حظر اليهود من دخول القدس إبان النصر الروماني قد تم تفسيره على أنه طرد من فلسطين ونتيجة لذلك تم خلق أسطورة جديدة عن أرض خالية وشعب في المنفى من ألفي عام. "وإعادة بناء الأسطورة التوراتية يتجاهل العناصر المتضاربة في التقاليد عن فلسطين القديمة وحتى في تعاليم (ياهوا) المتسامحة في اليهودية لإقامة هوية عرقية استيطانية جديدة ربطت اليهودية بعودة جديدة من المنفى" .
من هذا الاستعراض المقتضب لبدايات ظهور فلسطين في الأعمال الأدبية الأمريكية يتبين مدى أهمية هذا الموضوع لدى المفكرين والكتاب في أمريكا وكيف تعاطوا مع كل التساؤلات والتعقيدات المرتبطة بالواقع السياسي والجغرافي وفكرة الوطن والوجود والتعامل مع الاخر وكيف أن الدور الأمريكي لا يختلف بل يدعم الموقف الاسرائيلي الداعي الى السيطرة الكاملة على فلسطين وطمس بل طرد أهلها الأصليين منها.
القضية الفلسطينية في رأي الكاتب الأمريكي
ومن الطبيعي بعد معرفة الجذور الأولى التي نمت منها فكرة الأرض القدسة والصراع بين الفلسطينين واليهود في الأدب الأمريكي أن نعرف كيف ينظر الكتاب الأمريكيون تأثرا بذلك لفلسطين والقضية الفلسطينية والاشكاليات التي تحيط بها وتبيين طبيعة الصراع في المنطقة الذي اتخذ صورا اتسمت بالدينية تارة وبالسياسية والديموغرافية تارة أخرى. ففي السابع من يناير 2016 أجرى ديوار ميرفي بهذا الخصوص حوارا مع العديد من الكتاب المعروفين في أمريكا والذين ساهموا فيها بأعمال لهم في أنثولوجيا بعنوانُExtraordinary Rendition: American Writers on Palestine في سياتل. وكان من ضمن الذين شملهم الحوار جورج سوندرز، كولام ماكان، ناثالي هاندال، تيجو كول، وكلير مسود. حيث ظهرت مواقف متباينة مفادها أن النقاش حول القضية الفلسطينية يثير العديد من القضايا الصعبة للكتاب خاصة الخلاف حول المفردات التي تشكل خلافا في الرأي. فنجد أن سنان أنتون، وهو كاتب من أصول عراقية لأم أمريكية ترك وطنه مع حرب الخليج، يستغرب من استخدام كلمة "خلافية" في أمريكا التي من شأنها أن تحدد سقفا للحوار والنقاش والحديث عن القضية الفلسطينية ليس خلافيا بل ملحا وضروريا حتى في إسرائيل نفسها. في حين نجد أن أقرانه من الكتاب متمسكون بفكرة أنهم كتاب وليسوا سياسيين ولكنه يرى أن كل شيء مسيسُ وعليهم مسؤولية ككتاب ومواطنين لانهم يمثلون العالم بطريقة معينة فلا مجال للحيادية في هذا الخصوص. ويستطرد قائلا إن المشكلة تكمن في الصهيونية التي تقول بأن كون اسرائيل دولة استعمارية فهذا لا ينكر انسانية الاسرائيليين وانتقاد بنية وتركيبة الدولة الاسرائيلية لا يعني أيضا انكار حقها في الوجود. وهذه مشكلة لدى العديد من الأمريكيين ربما لأن أمريكا في تركيبتها لها نفس الإرث المتطابق في التعامل مع الأمريكان الأصليين ومع الأمريكان الأفارقة. ويرى أن الدول الاستعمارية كأمريكا واسرائيل قد ارتكبت الكثير من الظلم ولن يتغير شيء حتى يتم الاعتراف بما يعني هذا وما تكلفته وآثاره النفسية.
ومن ناحية أخرى يسلط سنان أنطون الضوء على نقطة خطيرة تتعلق بالكتاب الأمريكيين حيال هذا الموضوع في أنهم لا يترددون في تقديس وتبجيل وتشريع كل ما يمكن حيال قضايا أخرى في العالم وحض الآخرين على فعل ما يمكن فعله ولكنهم عندما يتعلق الأمر بفلسطين يرفضون القيام بالأمر نفسه. ويستمر قائلا إن الأمر ليس جهلا وعدم معرفة بل لأانهم يقتربون من المحرمات بسبب السياسات الداخلية الأمريكية. وأنه ليس بالضرورة أن تكون فلسطينيا للكتابة عن فلسطين فهم كتاب أمريكييون وأمريكا تدعم الاحتلال الاسرائيلي من أكثر من 65 عاما. ويقول أيضا أنه يرفض أن تكون أموال الضرائب التي يدفعها لتمويل الجرافات والدبابات التي تقتل الناس فالأمر سهل وبسيط ولا يحتاج معرفة.
وتتفق تيفاني يانيك، وهي شاعرة أمريكية من جزر العذراء الأمريكية والحائزة على جائزة Forward وجائزة Felix Dennis للشعر، مع سنان أن السياسة حاضرة في كل شيء والادعاء بأنك كاتب وليس سياسيا هو محض هراء وتقول إن اللغة التي تستخدم لوصف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هي اللغة نفسها التي وصفت ما كان يجري في جنوب أفريقيا ابان فترة الابارتهايد ومبررات الاضطهاد هي أيضا نفسها وحين نضع اللغة جنبا الى جنب ندرك أن الأمر ليس صعبا في تمييز ما هو ظلم وما هو عدل.
ومن جهة أخرى تقول تيفاني إن بعض الكتاب يبتعدون عن هذا الموضوع بحجة أنهم ليسوا إسرائيليين ولا فلسطينيين والصراع قائم منذ عهد التوراة وأنهم لا ينتمون لهذا العالم وليس لديهم الحق في إبداء رأي أو المساهمة في الكتابة عنه وحين تتشكل القضية في إطار الدين تزداد الحساسية والخوف من إبداء الرأي وهذا من شأنه أن يجعلهم يحجمون عن اتخاذ موقف خشية اتهامهم بالعنصرية والتحامل ضد المثليين أو الاسلام والسامية.
ويقول توم سلاي، وهو شاعر ومسرحي وكاتب مقال أمريكي من مدينة نيويورك، عن النقطة نفسها وعن المجزرة التي حصلت في مرتفعات الجولان في القنيطرة عام 1996 وأخرى عام 2006 لا يجهل الأمريكيون أن القنابل التي َضربت مجمعا للأمم المتحدة وقذائف المدفعية والتي قتلت من المدنيين الكثير كانت من صنع بلادهم. وبهذا يتساوق الموقف الأمريكي مع المغتصب الاسرائيلي في افتعال نزاعات إقليمية ذات صبغة إمبريالية وغطاء استعماري والصادم في الأمر بالنسبة لتوم سلاي أن سكان المنطقة ذات النزاع مع اسرائيل يجمعون على أنه لا فرق في السياسة بين أمريكا وإسرائيل وأن هذه الأنثولوجيا عن فلسطين والكتابات التي فيها كفيلة لو قرأت في بلاد مختلفة بأن تغير نظرة الآخرين عن أن هناك إجماعا تاما في أمريكا يناهض السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة في تعاملها مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وأما الشاعر الأمريكي جيسون شنايدرمان فيقول إنه قبل سنوات حدث شجار مع طوني كوشنير بسبب نظرته المحابية لاسرائيل. وكيهودي أمريكي وبتعاليم يهودية يرى أن إسرائيل والهولوكوست تحددان معنى أن تكون يهوديا ولكن هذا لم يعد قائما فالتعريفات القديمة لليهودية لم تعد ناجحة. والغالبية الساحقة من الحوارات حول موضوع الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ترفض الاعتراف بانسانية الآخر. ويقول إن حاخامه يذهب سنويا لإسرائيل وقدم تقريرا للكنيس حيث يعرض فهما معقدا لما يجري هناك حول الناس ونقاط التفتيش الى آخره. وتنقسم الاستجابات نحو التقرير الى قسمين:" لا أستطيع الانضمام لكنيسك لانك تدعم أعداءنا، و اسرائيل مشرةع استيطاني ليس له الحق في الوجود" ويرى جيسون أنه من الصعب التكلم من نقطة تقع بين هذين الموقفين ولهذا يشارك بمقاله في هذه الانثولوجيا الذي يرفض الحديث عن الصراع لان الحديث عنه لن يأتي بفائدة.
ونرى مما سبق أن هناكَ مجموعةً من الكتاب المعروفين يتبنون مواقف متباينة فيما يتعلق بدعم للقضية الفلسطينية من باب أن الكيان الاسرائيلي ليس أكثر من منظومة إستعمارية تتقاطع مع أمريكا نفسها في صورتها ومصالحها وأن القضية الفلسطينية تشكل في وعي الكاتب الأمريكي قضية أخلاقية وصراعا يلزمهم بالكتابة عما يكتنف هذا النزاع من رغبة يهودية وصهيونية محمومة في محو وطمس الوجود الفلسطيني في المنطقة.
القضية الفلسطينية في الشعر الأمريكي: إضاءة
بهذا الاقتباس من قصيدة الشاعر سام حمود (الموت بالاسم الخطأ) ندخل الى الشعر العربي الامريكي وكيف انعكست الهوية الضائعة والبحث عنها في الأصوات الشعرية التي حفرت لها واجهة واضحة في المشهد الثقافي في أمريكا:
حتى والدي فقد اسمه
وتبدل من حسين حموده صبح الى سام حمود
هناك شيءٌ مفقودٌ في الدم، شيءٌ
مفقودٌ حتى العظم في هذه التغييرات البسيطة.
رجلٌ بزيٍّ كُحْليَّ في جيرة إلييس، متعبا وبحُجَّةٍ يقول:
أنتَ فقط تحتاج إسمين في أمريكا،
وفجأةً بكل نقاء كما الهواء فقدتَ اسمَكْ.
بالكاد بدا الأمر ملحوظاً في بدايته
_ انه من الأسهل أن تتنقل كأمريكي_
ولكن بالنظر إلى الخلف تجد أن فقدكَ لاسمكَ
يقتطعُ جزءاً آخر، جزءاً لا يمكن التعبير عنه
قد فُقِدْ
في مقال لبن وايت حول التراب والهويه والسلب في الادب الفلسطيني و الأمريكي يوضح أن الأدبين يركزان على الموضوع نفسه ولكن من منظور مختلف. فالتوازي بين التجارب التاريخية المتعلقة بسلب ممتلكات واستعمار الشعبين الفلسطيني والامريكي الأصلي والتشابه في الخطابين حول أرض وممتلكات الشعبين دفعت وبشدة الشاعر محمود درويش ليكتب قصيدته "خطبة الهندي الأحمر أمام الرجل الأبيض" ليربط الشعبين معا في نير الواقعية الوحشية للاستعمار العنيف والقصيدة تشير الى عدم امكانية استرجاع الماضي والى أدب ما بعد الاستلاب للشعبين الفلسطيني والأمريكي الأصلي. والفرق بين الشعبين في علاقتهم بالأرض يكمن في الابعاد الروحية في التعبير عنها فنجد عند الامريكيين أن أجدادهم قد عادوا الى الأرض وفي المقابل في قصة غسان كنفاني "رجال في الشمس" ان علاقة الفلسطيني بارضه ليست روحية بالأساس وانما حسية ومادية. والاختلاف أيضا يكمن في أساليب التعاطي مع فكرة الاستلاب في أن يتحول المنفى المادي والسياسي الى صراع وجودي في داخل الفرد. وهذا التوجه بدأ يتضح بعد هزيمة عام 1967 في شخصنة ما هو سياسي وتغليفه بالاستعارات وهو ما حدث بالفعل بين الشتات الفلسطيني والحداثة الأدبية وهو طابع جمالي نتج عنه الشكل المفضل للكتابة الفلسطينية عن الأرض والممتلكات.
وهذا ينقلنا الى فكرة مهمة أن العرب الأمريكيين قبل عام 1967 تعرضوا لثقافة معادية لثقافتهم وإلى قوالب سياسية تسببت في أن يرفضوا عروبتهم اذاك وانتزعو انفسهم من وجودهم (Naff 330) ويقول مايكل سليمان في مقدمته لكتابه "العرب الأمريكيون: بناء مستقبل جديد"، بالرغم من هزيمة ١٩٦٧ المدوية الا انه نتج عن ذلك نفضُ العرب الأمريكيين عن أنفسهم الامتعاض والضيق واعادة ترتيب أنفسهم (13). ويقول ناحوم تشومسكي إن التحالف الاسرائيلي الأمريكي قبل حرب ١٩٦٧ كان موجودا ولكنه تعزز بعد الحرب ودعم مفهوم اسرائيل على أنها من الأصول الاستراتيجية لدى أصحاب السلطة في أمريكا لكي تحمي طموحاتها الامبريالية في الشرق الأوسط (Chomsky, The Fateful Triangle, 9, 22)
وبتتبع الواقع الشعري الذي فرز وفرض نفسه في المشهد الأمريكي سواء في قصائد الشعراء الأمريكيين الأصليين أو العرب الأمريكيين نرى أن القضية الفلسطينية بمراحلها المختلفة قد خلقت وأوجدت ردود فعل ومواقف ضد الموقف الأمريكي المتواطىء مع الهيمنة الإسرائيلية والاستيطان الصهيوني الذي استهدف كافة الوجود الفلسطيني بما فيهم الأطفال العزل الأبرياء وهذا ما عبرت عنه الشاعرة نعومي شهاب ناي في قصيدتها "For the 500th Dead Palestinian, Ibtisam Bozieh” حيث تروي اللحظات الأخيرة حين استهدف جندي اسرائيلي الطفلة ابتسام بطلقة مباشرة أثناء الانتفاضة الأولى وتصور براءة الطفولة في وجه العدوان:
تموتين في سن الثالثة عشرة لأنك تنظرين
من النافذة إلى ماسورة البندقية التي
لم تعرف أنك أردت أن تصبحي طبيبة يوما ،،،
ولو كنتُ في بلدكِ
كان من الممكن أن أموت أيضا بسبب
شيء بسيط مثل النظر أو الهتاف بما هو حق. (53)
وبالرغم من ان ابتسام لم تكن تلقي الحجارة كبقية الأطفال الآخرين، إلا أن البندقية لم تفرق، وبمقتل الطفلة ابتسام تكون الآلة المدمرة قد قتلت المستقبل الذي كانت تطمح إليه.
وتسعى نعومي شهاب ناي من هذه القصيدة إلى تشجيع الجمهور الأمريكي للالتفات للمعضلة الفلسطينية. وتنعكس القضية الفلسطينية على الأدب الأمريكي أنها أصبحت معادلا موضوعيا فرصة لتوحيد الشعراء العرب الأمريكيين والشعراء الفلسطينيين الأمريكيين. ومما لا شك فيه أن العاطفة الأمريكية منحازة لاسرائيل ضد الفلسطينيين كم عبر عن ذلك بول فيندلي بأن اللوبي الموالي لاسرائيل قد "تغلغل بشكل كامل في النطام الحكومي للأمة والمؤسسة صاحبة التأثير الأعمق هي AIPAC والتي يلجأ اليها حتى الرئيس الأمريكي عندما يتعرض لمشكلة مستعصية متعلقة بالنزاع العربي الاسرائيلي" (27)
القضية الفلسطينية في الرواية الأمريكية الصهيونية
انعكست القضية الفلسيطينية في روايات الكتاب الأمريكيين من أصل يهودي بشكل متوقع ومعروف مسبقا في التسويق للوجود الاستعماري الصهيوني في فلسطين وتشويه الحقيقة التاريخية والواقع الجغرافي للمنطقة ونزع الانسانية عن سكانها و وصفهم بالعدائية للسامية والتطرف العنصري والأصولية كتبرير مقصود لفرد الهيمنة الاستعمارية وأفضل مثال على ذلك رواية فيليب روث Operation Shylock: A Confession حيث تتبنى هذه الرواية الترويج للمشروع الصهيوني بشكل سافر وغير أخلاقي وعن طريق "اسكات التبعية او الصراع بخلق حالة من التخلف والتراجع الثقافي ويسعى روث من خلال السرد الروائي الى تشكيل رواية منحازة لرؤيته للصراع العربي الاسرائيلي، ونرى أن فشله في خلق نظرة متوازنة للقضية الفلسطينية جعله يؤكد على مفاهيم هامة متعلقة بالمُستعمِر و المستَعمَر في ديناميكية ثقافية تؤدي الى الصراع بدلا من الحوار بين الطرفين، وكذلك بدلا من أن يعزز فكرة المجتمع متعدد العرقيات نرى أن أحداث الرواية يتم التعامل معها من الناحية التاريخية من خلال آلية سردية وخطاب من الهيمنة يحصر الفلسطينيين المحتلين في الجيتو التاريخي للبربرية والتعصب ويستبدل الخطاب الواقعي بالخطاب التخيلي لكي يجعل من الخطاب الأخير مرغوبا ويسهل عملية استهلاك التاريخ .
ويقول ايرفينغ هاو إن الأدب الأمريكي اليهودي عموما هو نتيجة للمواجهة بين "مجموعة مهاجرة والثقافة الأمريكية المضيفة" ويظهر أن المهاجرين يتعرضون للتهميش والاغتراب وتحولا لموضوع أساسي للكاتب الأمريكي اليهودي في الوقت الحالي، ومع ذلك هناك العديد من الروايات السردية الانريكية اليهودية موجودة في المنطقة الاسرائيلية. وهذا يكشف أن "موضوع الهوية اليهودية يتم بشكل نتزايد عرضها على خلفية اسرائيلية"
ففي الرواية السابقة الذكر نجد أن روث يقدم شخصية جورج زياد، صديق البطل في الرواية، ويوظفه لعرض الرواية الفلسطينية للصراع العربي الاسرائيلي من منظور يعزز صورته في الثقافة الغربية الاستعمارية على انه ضد السامية وأصولي، ويحاول زياد تحدي أسطورة الضحية مدعيا أن اسرائيل قد استغلت دعاية الهولوكوست لتبرير احتلال الاراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وضم الأراضي المجاورة للدول العربية . ولا تقف الرواية الصهيونية عند هذا الحد بل نرى روث ينحى منحى أشد خطرا وهو التشويه المتعمد لصورة الفلسطيني بأن يقدم زياد بشكل مبطن على أنه قد يكون عميلا للموساد الاسرائيلي وفي الوقت نفسه ناشطا عسكريا فلسطينيا، وبالتشكيك في ولاء زياد لقضية شعبه يحاول روث تشويه التاريخ وطمس سياسات الهيمنة للاستعمار الاسرائيلي، بهذه الطريقة يستبدل روث كما يقول هايدن وايت "الخطاب الحقيقي بالخطاب التخيلي" .
هذا ينقلنا الى نقطة أخرى في الصراع العربي اللسرائيلي الا وهو أن الاستعمار "يتجه الى ماضي المضطهدين ويقوم بتشويهه وتغيير معالمه وتدميره" . وهذا يعني أن الفلسطيني الذي يفترض أن يكون المُعَرِّف يصبح محتاجا الى تعريف وهذا ما يظهر في رواية روث كما تحدده الاحداث التى تسعى الى اضفاء ضبابية على الواقع وأيضا تلبي توقعات القراء الغربيين حيال الفلسطيني على انه ضد ناشط ضد السامية.
ولكي يصل روث الى اقصى طموحاته من التشويه يقوم بتصوير زياد الفلسطيني على أنه ناشط مثير للاشمئزاز ويتسم بشخصية شيطانية ومتعصب يريد اخضاع اسرائيل من خلال حكم الارهاب. وهكذا يظهر زياد في الرواية على انه منزوع الانسانية وشيطاني وضد السامية واليهودية واسرائيل ويمثل عنصرا متخلفا حسب الرواية. وهكذا نرى الرواية الامريكية اليهودية تصور الفلسطيني على انه ضد الانسانية وتشجع ليس فقط على الاحتلال وانما نشر أفكار الايديولوجية السياسية للصهيونية" .
والرواية أيضا انتقاد لليهود الأمريكيين الذين يرفضون المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط. ومع نهاية الرواية Operation Shylock: A Confession يلوم ضابط الموساد سمايلبيرجر اليهود الأمريكيين لمواقفهم تجاه الصراع العربي الاسرائيلي:
"أنتم أحرار في الاستمتاع بنقائكم وعفتكم كما تشاؤون، اذهبوا الى اي مكان يشعركم بعدم اللوم بشكل سعيد. هذا هو الترف المبهج لليهودي الأمريكي المتحول تماما. استمتعوا بهذا. أنتم الظاهرة الرائعة العجيبة بعيدة الاحتمال لليهودي المتحرر بصدق. اليهودي غير المسؤول. أنتم اليهود غير المَدينين بشيء، أقل ما فيها الصراع التاريخي" .
القضية الفلسطينية في أدب الأطفال الأمريكي
حين يتعلق الأمر بمدى انعكاس القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي على الأدب الأمريكي، يصبح من الضروري القاء الضوء ولو بشكل بسيط على وجودها في أدب الأطفال وكيف يتم تصوير الفلسطيني لدى الطفل الأمريكي وكيف قام كتاب أدب الأطفال بالتعامل مع مفردات المشكلة الفلسطينية وطريقة عرضها لتتغلغل داخل وعي الطفل الأمريكي. وبسبب الندرة الواضحة من الكتابات في هذا الجانب من قبل الكتاب العرب والأمريكيين من أصول عربية، فقد اعتمدت بشكل رئيس على دراسة مسحية مستفيضة قامت بها (إيلسا مارستون) تتناول فيها ما صدر وما كتب في أمريكا عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الموجه للأطفال والناشئين الأمريكيين والتي نشرت في آذار 2004 في موقع The Electronic Intifada ومقال لها صدر في مجلة The Looking Glass: New Perspectives on Children's Literature في نيسان 2004. ومما يؤسف له أن هذه الفئة غير مستهدفة كتابيا من قبل الكتاب الأمريكيين من أصل عربي وكأن الأمر متروك للآخرين ليكتبوا عنه. وهذا ما ترك الساحة خالية للكتاب اليهود يصولون فيها بأفكارهم التي سممت وتسمم عقول الأطفال في المدارس وكافة الأماكن التي يتم التعرض فيها للمسألة الفلسطينية.
تطرح (إيلسا مارستون) وهي من كتاب أدب الأطفال البارزين في أمريكا في مجال القصة والرواية للاطفال واليافعين، بعض التساؤلات حول حظ الفلسطينيين فيما ينشر للأطفال. وأول أسئلتها يتمحور حول كون الفلسطينيين اللاعب الأساسي في الصراع القائم وهل يستفيد الفلسطيني من الانفتاح العقلي الذي تتيحه فكرة تعدد الثقافات؟ أم أنه حسب ما تروجه الآلة الإعلامية والشخصيات العامة أن الفلسطينيين هم العرق الوحيد الأكثر إيذاءً وضررا بحصانة؟
وتعرج إيلسا في كلامها على شاهد حي أنه وفي عام 1995 قامت كاثرين باترسون في مقال لها، وهي من الكاتبات الأمريكيات المشهورات في أدب الأطفال، ولطالما كانت تتغنى بأنها تبحث عن الحقيقة وتقول الحقيقة كاملة وبدون خوف، لم تترد في أن تساوي حسبما تقول "الإرهابيين الفلسطينيين" بالنازيين والخمير الحمر وأنهم "ليسوا حقا إنسانيين"
بهذه البشاعة يتم تصوير الفلسطيني صاحب القضية الصادقة في أدب أطفال أبرياء لتعزيز فكرة العنصرية والتحامل. وتستطرد إيلسا قائلة إنه بسبب الخلاف الدائر حول القضية الفلسطينية والمشاعر التي تثيرها في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن الكتاب والناشرين على حد سواء يبتعدون عن هذا الموضوع. وكمحترفة في أدب الأطفال عن الشرق الأوسط لطالما شعرت بالإحباط بسبب عدم اللامبالاة والتحامل لدى الناشرين وانها ليست الوحيدة من الكتاب الذين تعرضوا لهذه المواقف غير الداعمة لنشر شيء من أدب الأطفال عن القضية الفلسطينية.
لكن الأمر يتغير ولم تعد القضية الفلسطينية موضوعًا محرما مع تردد الحكومة في أن تدع القارىء الأمريكي يعرف ما يجري هناك، وظهرت القضية الفلسطينية في أدب الأطفال الأمريكي في العقود الأربعة الأخيرة
والتساؤل يدور حول الصورة التي ظهر فيها الفلسطينيون في أدب الأطفال الأمريكي في الفترة ما قبل التسعينات من القرن العشرين. فبعض كتب النشئ ركزت تماما على المستوطنين الصهاينة الأوائل وتجمع اليهود، وتم تجاهل الفلسطينيين بما يعني ضمنا أن الأرض كانت خالية تماما تنتظر شعبا جديدا ليعمرها بالسكان. ومن الأمثلة على ذلك كتاب "حلم جوشوا" للكاتبة شيلا سيجال الصادر عن اتحاد التجمعات اليهودية الأمريكية عام 1985وكتاب "على أجنحة النسور وأشياء أخرى" بقلم كوني شتاينر الصادر عن جمعية النشر اليهودية عام 1987. وظهرت كتب أخرى تظهر الفلسطيني كتهديد لا إسم ولا وجه ولا هدف له. ففي كتاب "لينا: فتاة روسية تفد الى إسرائيل" بقلم ميرا مئير، والصادر عن جمعية النشر اليهودية عام 1982، تتلخص الفكرة في أن الهجمات الصاروخية على الكيبوتس هي ببساطة إحدى حقائق الحياة. سوزان لينج في كتابها "السنة" الذي صدر عن دار س. ج. فيليبس عام 1970 يحقر من شأن الفلسطيني فهو لا يستحق أكثر من صورة نمطية ومن أمثلتها أن ما شاهدوه من العرب في فلسطين لأول مرة كان رجلا يركب حمارا صغيرا تتبعه زوجاته الثلاث مشيا على الأقدام. بهذا المشهد القصير يروج اليهودي فكرة أن فلسطين أرض بلا شعب ويستحقها اليهود كشعب بلا أرض.
وتضيف إيلسا في دراستها المسحية الى هذا السياق من الكتب التي تشوه صورة الفلسطيني روايتين للروائي المعروف Lynne Reid Banks هما "نهر آخر" الصادرة عن دار سايمون و شوستر عام 1997 والمكملة لها "الجسر المكسور" عن دار ويليام مورو عام 1993 وهي تتبع العلاقة بين الفلسطينيين واليهود من خلال لقاء مهاجر إسرائيلي شاب لصبي فلسطيني و التداخل في العلاقات في الجيل القادم و لايستمر التعاطف في الرواية مع الفلسطيني إذ يستمر التركيز على أن الفلسطيني دائما غاضب عنيف خشن ومخادع.
وفي دراستها الثانية بعنوان "العالم الاسلامي العربي: كيف يظهر في كتب الأطفال الأمريكيين" وفي الجزء الذي يتناول الصراع بين الفلسطينيين واليهود بعد استعراضها للكتب التي تستهدف الشخصية الفلسطينية تقدم عددا من النماذج التي تحاول أن تظهر العلاقة بين الطرفين بالشكل الايجابي في رواية Lori للكاتبة جلوريا جولدريتش الصادرة عن دار هولت راينهارت وينستون عام 1979 ويالرغم من المغالطات التاريخية تصور العلاقات الطيبة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وفي قصة قصير للكاتبة باربارا كوهين بعنوان "البستان السري" الصادرة عن اتحاد التجمعات اليهودية الأمريكية عام 1985 يتم تصوير مقابلة بين ولدين اسرائيلي وفلسطيني توقظ في داخليهما الظلم الذي يمارسه الطرفان ضد بعضهما البعض في مدارسهما من خلال تعزيز الصور النمطية عن الطرفين. وفي كتاب “The Accomplice” للكاتب أدريان ريتشارد الصادر عن دار Little Brown عام 1973 يجري الحديث عن ولد أمريكي في اسرائيل مع والده عالم الآثار حيث يدخل في صراع عنيف مع شاب فلسطيني وتتشكل لديه أزمة أخلاقية تعكس تعاطفه مع اليأس الذي يعاني منه الفلسطيني (Melissa, Arab/Muslim)
هذا العرض الموجز يظهر بشكل واضح كيف تظهر صورة الشعب الفلسطيني في أدب الأطفال في أمريكا وكيف تتم عملية الأدلجة وغرز الأفكار النمطية عند الفتيان الناشئين من أجل خلق أجيال متشربة ومقتنعة بما تبثه الصهيونية من أفكار وما تبرره السياسات الأمريكية من دعم لليهود من أجل الحفاظ على بقائهم في فلسطين متجاهلين الوجود الحقيقي للفلسطينيين ومعاناتهم المستمرة.
الخاتمة
خلصت هذه الدراسة الى العديد من النقاط التي من شأنها لفت الانتباه لخطورة ما يجري في الساحة الأدبية الأمريكية من ممارسات فكرية ضد الوجود الفلسطيني من خلال الكتابات المختلفة سواء الشعر منها والرواية وأدب الأطفال ودور النشر والمؤسسات الفكرية وما تبثه الدعاية الصهيونية من أفكار من خلال أبواقها الثقافية، وكذلك الاشارة الى الأصوات التي تدفع في الاتجاه المضاد من كتاب أمريكيين وآخرين من أصول عربية. وخلال كتابتي للدراسة وجدت صعوبة بل ندرة في ايجاد مراجع ودراسات تتعلق بالقضية الفلسطينية باللغة العربية وكيف تعامل معها الأدب الأمريكي وتناولها من منظور السياسة الأمريكية والمناخ الثقافي في الولايات المتحدة. و وجدت أن المكتبة العربية تفتقر أيضا للترجمات في الروايات والأعمال الأدبية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي فهناك محاولات خجولة للوصول الى ما يكتبه الشعراء من أصول عربية ولكن هناك اغفل شبه كامل للاعمال الأدبية الصهيونية التي تمس القضية بشكل مباشر وخاصة أدب الأطفال الذي يعد من أهم مرتكزات بث الدعاية الصهيونية وغرسها في عقلية الطفل. ومن الاستنتاجات الهامة بالنسبة للدراسة أن الأصوات التي تتبنى الموقف الفلسطيني هي أصوات فردية واجتهادات نابعة من حس أخلاقي ونوستالجيا وطنية عند المهاجرين من أصول عربية وليست ضمن مشروع موحد تتبناه مؤسسات ذات رؤية ممنهجة تستطيع أن تخترق المنهاج الأمريكي وتشكل واجهة ثقافية قادرة على انتزاع حلول سياسية من شأنها أن تساهم في حل أو حوصلة الصراع بين الفلسطينيين واليهود. واستنتجت الدراسة أن اليهود سيستمرون في تبني ما كتبه الكتاب الأمريكييون فيما يخص ويدعم هيمنتهم الاستيطانية على فلسطين وهذا ما أورده الصحفي روبرت ماكي في صحيفة النيويورك تايمز أن الرئيس الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يخطط لاعطاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما إقتباسا من كتاب مارك توين "الأبرياء خارج الحدود" يعزز فكرة اليهود في إستيطان فلسطين. ويحظى هذا الكتاب بشعبية لدى الصهاينة وترجموه للعبرية ونشروه في كتاب مستقل تحت عنوان "نزهة ممتعة للأرض المقدسة". وفي كتاب ألفه لاحقا بنيامين نتنياهو بعنوان "سلام دائم: إسرائيل ومكانها بين الأمم"، اقتبس مواضع من الكتاب ليثبت أن فلسطين كانت شبه خالية مع انتهاء القرن التاسع عشر.
ونقطة أخرى تركز في الاستنتاجات على إعادة صياغة الخطاب السياسي بشكل مقنع بعدالة القضية الفلسطينية وليس فقط أن تتمحور الكتابات حول الاشارة بأن هناك قضية وهناك من يعاني من الشعب الفلسطيني بل أن يكون الخطاب ضمن رؤية ضاغطة على صناع القرار لكي تتغير أبجديات الصراع وهذا لن يتسنى الا من خلال اعادة قراءة وغربلة كل ما كتب في الأدب الأمريكي عن القضية الفلسطينية من بداياتها وانشاء مؤسسات ودور نشر تدعم هذا الخطاب الجماعي. وهذه الدراسة لا تغطي كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وانعكاساتها في الادب الأمريكي بل تصلح لأن تكون نواة أو عتبة لدراسات أخرى مستفيضة تساهم في اثراء المكتبة العربية بالدراسات والابحاث حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وكذلك لتوجيه البوصلة لدى الكتاب المهتمين نحو الوجهة الصحيحة متمنيا أن تكون الدراسة قد سلطت الضوء على بعض الأمور الهامة في العلاقة بين القضية الفلسطينية والأدب الأمريكي.
تمت
المراجع