لِمَنْ يسألْ
تركتُ عباءتي خلفي لأني راجعٌ يوماً
و لَكِنْ ربَّما تأتي عناكبُ منْ قُرىً شتَّى
فتنسجُ في ثناياها خرافاتٍ لها قمرٌ
فتقلقُ جدَّتي الخرفا فتعبثُ في ضفائرِها
بظل بيوتِ جيرانٍ و تُؤنِسُها حصيرتُها
و ما زالتْ
على أكتافِها الأيامُ تجثو و المدى خوفٌ
و أما سرُّها فالليلُ أنبتَ فوقهُ الزَّعترْ
تمهلْ فالضحى آتٍ لنا أسرارَهم يُفشي
و أحلامٌ تنام بِشَعْرِها جنبي و من زمنٍ
تغارُ لأنها مِني.و تلك بدايةٌ للصيفْ
و أيامُُ
تعيشُ بقُبلةٍ كالشوكِ تُنزَعُ من شفاهِ الكَرْزْ
و ذاك الحائِطُ المهدومُ ترقصُ فوقه جثثٌ
بحجم الغربةِ الأولى.و كنا نستشيُر الأرضْ
تُؤَبنُها مواكبُ من طيورِ النورسِ البَيْضا
و رائحةُ الخُزَامَى لا تصدقُ نصفَ ما نروي
فَكَمْ دقَّتْ
نواقيسٌ خلت من رعشةٍ أَحيت بها صوتاً
قديماً ملَّ قريتَنا لأنَّ النومَ لم يرحلْ
و حتَّى بعد صحوتِنا سنبحثُ عن عناوينٍ
مخافةَ أن يمرَّ الصوتُ يو ماً أو يرى أحداً
فيهزأَ بالذى قُلنا .و إنا لم نقل شيئاً
تجاعيدٌ
تُزينُ وجهَ أرملةٍ تجرُّ وراءها ظِلاً
يُلَملِمُ ما تساقطَ من فُتاتِ وليمةٍ فُضَّتْ
وذاتَ عشيةٍ باتت تظنُّ ببيتها ثقباً
يُبصبصُ هاتكاً سترَ الرفوفِ وطرحةٍ كانت
لعرسٍ بعدهُ اجتمعت عناكبُ من زقاقِ ا لحيْ
فهل عبثاً
أُحنطُ غابةَ الأرياحِ تفلتُ من جوانِبها
توابيتٌ تئِنُّ بقي0ةٌ منا بعتمتِها . ولا وردٌ
وخلفَ شوارعِ الزيتونِ لا سمعٌ ولا مطرٌ
فتاهت طفلةٌ في الشمسِ تبحثُ عن دُمَى تبكي
وأما وجهُها فالشرقُ يسرقُ ما به غصباً
قرأتُ لكُمْ
تربع كلُّ ذي رأيٍ على عرشٍ فمن يبقى
لطاعتهم. لتبدأَ رقصةُ الشيطانِ بعد العصرْ
صحائِفُنا و أقلامٌ لكى يرضى قرابينٌ
و لا يكفي.جذوعُ النخلِ قد تُجزِي ، و لا عيبٌ
خرافةُ جدَّتي صدقت و كنتُ أظنُّها تَهذي
أنا ممن
تَعفَّت دارهُم و البومُ يخرجُ من مداِفنها
ووجهُ صبيةٍ ملقىً تدوسُ عليه أحذيةٌ
لبسناها و كانت كلها سودا و أتربةٌ
شعاراتٌ على الأبوابِ نمشى لا نُكَلمُها
و أرصفةٌ عليها قصةٌ عشنا نُكذبُها
وذا شفقٌ
تمزقَ من صراخِ أجنةٍ علقت بحُمرتِهِ
تغادرُ في بطونِ الليلِ مثل تآكلِ الحاضرْ
فتلك طفولةٌ هلكت ونقنعُ نفسنا أنا
نكتم علمهم كيلا نشمت من به حقدٌ
فسالت قطرةٌ في الفجر تنفي كل ما قلنا
و زنبقةٌ
نَمت أظفارُها والبحرُ يحسبُ أنَّها مِنَّا
نَسائِمُهُ تُجَففُ ما تساقطَ من دِما جسدٍ
ُتمزقُهُ زنابقُنا لأنَّ جِرارَنا زيتٌ
وتلك حجارةٌ قُذِفت وأُخرى لا تزالُ علَى
تلالٍ فوقها سروٌ تطلُّ عليه مِئذنةٌ
مواعيد ٌ
على أسوارِنا زحفت تغازلُ من يمرُّ بها
فما تعبت ولم تخجلْ . وهذا ما حكاهُ الأمسْ
و لم ننطقْ . فعاد الصمتُ يكتبُ موعداً آخرْ
سلاماً حيَّنا إن شئتَ فاغرس نبتةَ الموتى
و دع ألوانَنا حيرانةً تُطلَى إذا بَهتتْ
من الوادي
وحتى منبت النيرانِ أمشي لا أرى إلا
عيوناً كلها أفكارُنا الأولى . من الوادي
جنوباً نحو قلعتِنا و شعبٍ إسمه : لا موتْ
خرائبُهم مدارجُ صبوةٍ كانت تجمعهُم
و حيثُ سذاجةُ المنعطفاتِ موعدهُم على أملٍ
كما ُكنَّا
وكانتْ أولُ الدُّنيا ، عناقيدٌ بكَرمتِنا
تُعانقُ زهرةَ الرُّمانِ إذ تُرخي ستائرَها
ولم أفهم سوى أني أسيرُ بظلها حتَّى
أودعَها كعادةِ من يقولُ أنا على سفرٍ
وبعد الظهرِ ننسى أنَّها كانت حكاياتٍ
من الذكرى
قناديلٌ تضيءُ وربما حزناً على فرحٍ
رحلتُ وبعدها مرت شهورٌ كلها غيم ٌ
فتاةٌ كنت أعرفها سمعتُ بأنَّها ماتتْ.
لها شعرٌ بلونِ الرملِ تلمعُ فوقَهُ شمسٌ
و تحكي والهدوءُ بصوتِها كالموتِ إذ يمضي
و من حبٍ
قصاصاتٌ تراني مرةً في الشهرِ أو أكثرْ
و من خَطُّوا بها أَضْحَوْ دموعاً من نَدَى اللَّيْلَكْ
تبيتُ ِبمُقلتي حتَّى تمرَّ طيوفُهم سهواً
فتحرقَها و من يدري ، نعودُ فنلتقي يوماً
و أما أننا تهنا فلا عودٌ على بدءٍ
أغانيهم
و عبرَ شوارعَ اختنقت بوحدتِها تلاحقني
إلى كهفٍ به اختبأت وجوهٌ لست أُنكرُها
تعانقني لأنَّ الدفءَ مني مالهُ حدٌ.
يعُزُّ عليَّ أن نبقى أحاديثاً تُرَددُها
أغانٍ قد خذلناها بحجةِ أنها وهم ٌ
لنا ربٌ
لأنا من جفونِ الريحِ نعصرُ دمعةً خَرْسَا
لأنا من جفونِ الريحِ نعصرُ دمعةً خَرْسَا
سيجمعُنا فلا بَيْنٌ . و يبقى نَجْمُنا القُطْبِي
وهمساً قد تركنا خلفنا في ليلِ أيلولٍ
و جدرانٍ لأبنية ٍ وضحكاتٌ تؤرقُها
لأنا لم ننم والوقتُ يأرقُ مثلُها أيضاً
تعال غدي
ولا تعبث كما تهوى فأعينُها كأشرعة ٍ
تسافرُ نحو مرفئِها فُبَيْلَ تفتُّحِ السَّوْسَنْ
أُحَلّقُ خلفها والموجُ يغرقُ كلما تدنو.
أُحِبُّكِ والخريفُ يرى لنا صوراً ترافقُه
لأن نداءَهُ منها . و ليس سواكِ يعرفُني
أنا و حدي
بمعبدها أُبعثرُ خِلسةً أوراقَها الصَّفرا
لِتُحْرَقَ في متاهةِ صمتِها. والنَّارُ قد تَكوِي
هي الروحُ الَّتي أصداؤها ابتعدت بمن دقُّوا
على أوتارِها . و المعبدُ النائي تآريخٌ
تقيم بناءَهُ. والثلجُ آخرُ دعوةٍ للحُبْ
فراشاتٌ
و حَرُّ الصيفِ يطرُدُها فتسلكُ من نوافِذِنا
تواصلُ زحفَها و الغابُ يُبعِدُ وجهَهُ عنها
فحطَّت جنبَ صبَّارٍ تمرغَ فوق سافيةٍ
وهذا مُنتَهى الوادي . فصولٌ كلها تموز
بقيةُ قِصَّتي تأتي إذاً في الموسمِ القادمْ
1992
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق