الاثنين، 28 مايو 2007

حكايةُ من الشارعِ الخلفي

غدا تشرينُ


منفى صوتىَ المملوءِِ أ دعيةً

واشواقاً بحجمِ الأرجوانِ

و قَلَّ مَنْ يدري

بأنى ذاهبٌ والريحِ

نزرع فى صفوفِ الغيمِ أوديةً

تفيقُ على نسيمِ الكستناءِِ

وتنتهي فى ذكرياتِ الميتين

عن البلادِ و كيف لم تَعُدِ الحياةُ سوى

انتظارٍ مؤسفٍ لجنودِنا

فوق السروجِ المُطْمَئِنَّةِ.

عائدٌ لمدائنِ الظلِّ الكثيفِ

هناك متَّسعٌ لقطراتِ

الهواءِ القرمزيةِ فوق أغطيةِ الشروقِ

و فوق رائحةِ الغروبِ

المرتخي بين الغصونِ

و في عواطفِ مرأةٍ

لم تَنْسَ بعدُ مَنِ الذي همست لهُ سراً

بأسماءِ الفصولِ؛

أُفضِّلُ الدنيا كما يبدو

مجزأةً

كأفكارِ الطفولةِ

عن بداياتِ الخرافةِ

في بيوتِ الطينِ

و الجزرِ البعيدةِ في عيونِ الطيِرِ

و السورِ القديمِ،

و كيف أروي الخوفَ عن غيري

و هم في الموتِ منذ غدٍ

لهم صورٌ بلا معنى

و أسماءٌ كزهرٍ في نتوءاتِ الصخورِ

تسربوا في خطوتي،

في الشارعِ المُفضِي لكرماتٍ

تموتُ ككل شيءٍ في المدينةِ؛

لا أصدِّقُ أن ساحلَنا

كبيرٌ مثل أحواضِ القرنفلِ،

مثل أبوابٍ تُفَتَّحُ للخريفِ

النرجسيِّ و سروةٍ

تَبْتَلُّ من قُبَلِ المساءِ

و ترتخي في صفحةِ القمرِ

المعبَّأِ نافذاتٍ

لا تطِلُّ على السماء لكي تطلَّ

و لا تفكُّ جدائلَ القمرِ النؤومِ

على فروعِ التيِنِ،

لا أدري

سعادُ بدايةٌ،

و الموتُ فاتحةُ المسافةِ

و الحديثُ عن القيامةِ يصبغُ الموتى

بأوراقٍ من الحناءِ تَنْبُتُ

في الجفونِ

تُذيبُ في دمعاتِنا لونَ الدروبِ،

سعادُ ذاكرةُ النخيلِ

و أغنياتُ الثلجِ في الكوخِ

المضاءِ بشمعةٍ

و الليلُ يغزلُ صمتَه و يسيلُ

في الغسقِ المُجرَّحِ فضةً.

ماتت سعادُ

و كان يمكنُ أن تعيدَ لي الخريفَ

بلا ملامحَ،

أن ترتبَّ وردتين

على وسادتِها

و أمضي حاملاً عبثَ الشواطئِ

سائلاً قدمَيَّ

كم من شارعٍ لمنازلِ الأرواحِ

و الحُفَرِ المخيفةِ.

مَنْ هناك؟

أرى خيالاً قادماً

في وجههِ بحرٌ و خطواتٌ

تجرُّ رؤوسَ كِرْوانٍ

و تعبرُ وادياً لا ضوءَ فيه

و لا عيونَ

و ينتهي في مدفنٍ

جدرانُه يجري على أكتافها اللبلابُ

يهبطُ في جحورِ

البومِ يفزعُها

و يقتربُ النعيبُ من الجنازةِ.

أي أحلامٍ تقاسمني

فضاءَ الأمنياتِ؟

هنا أقيمُ على مفارقِ بلدةٍ

في الصيفِ تتركُ أهلَها

و تغيبُ في رَحْلِ المسافرِ

لا تعودُ كمن يعودُ

بشوقِه لمنابتِ التوتِ الصغيرةِ؛

مرةً و الغيمُ يبتلعُ السماءَ

و لا مكانَ يقي الموانئَ

و الظهيرةُ كالسِّناجِ

و لا مبررَ لي هناك

إذا بطيفٍ هاربٍ من لونِه

نحوي يمدُّ ذراعَه

و يطيرُ بي و يلُفُّني بملاءةٍ

من شَعْرِه الرَّعَويِّ

حتى طلَّ رأسُ المسكنِ المهجورِ

من خلف الصنوبرِ صامتاً

شرفاتُه تعلو النَّارنْجَ

و مدخلُ البوابةِ

ارتفعت فروعُ الخيزرانِ

على جوانبهِ

و كانت ليلةً قوطيةً،

خلف الستائر وجهُها،

في آبَ كان

و في عناقيدِ الضُّحى

و جراحِ أيلولَ الوضيء،

سعاد قافلةٌ

و منعطفُ البدايةِ،

خائفٌ من همسةٍ

تمتد حتى ليلةٍ أخرى

و متَّهَمٌ كما لو أن

دقاتِ المساءِ

تساقطت من قلبي

المرصوفِ نواراً بلون

الموجِ في نيسانَ،

لولا أنها الدنيا

لأمسكتُ الزمان فلا أُفَاجَأُ كل يومٍ،

غربةٌ حتى هنا،

في غرسةٍ مسلوبةِ الوجهِ

استعادت ظلَّها

ليفيضَ حتى لا ظهيرةَ

كالتي ذبلت على

أطرافِها بسماتُنا،

يا أيها الأفقُ الملوَّنُ

بالرياحِ و زرقةٍ لا مُنتَهى

لبرودِها،

أتُرَى سيتسعُ المساءُ

لهمسةٍ تمتدُّ حتى ليلةٍ أخرى؟

و أعرف أنَّ

ذاكرتي لها ما ليس

للفُلْكِ المضيئةِ في المدى،

نيسانُ يملؤني

معابرَ لم تصلْ حتى لأولِ حارةٍ،

نيسانُ لا يأتي

و يحتدُّ الخلافُ

على الدقائقِ قبل تفجيرِ الخيانةِ

أيهم يدُهُ ستسرعُ بالمصافحةِ

اعترافاً أن موتانا أساؤا للجميعِ

و أنَّ راياتِ الرجوعِ

أوانُها قبل القيامةِ

لم أفقْ حتى وحيداً عدتُ

أبحث في شر ايين البنفسجِ

في انهياراتِ الجليدِ على سفوحِ الكستناءِ

و في الاساءاتِ القديمةِ

عن هروبٍ مسرفٍ في البُّعْدِ

يمكنُ أن يريحَ الموتَ

من موتى بلا سببٍ.

وداعاً أيها الحجلُ المؤجَّلُ

للفصولِ المستحيلةِ،

لا تلمني إن تناثرتِ الرياحُ

و أسقطَتْكَ على الطريقِ

و فاجأتكَ الشمسُ بالمدنِ الكريهةِ،

لا تلُمني إن يدي لم تتسعْ

لأصابعي و البحرِ،

بيتي رحلةٌ و حكايةٌ

لم أنْجُ منها مثلما أمَّلْتُ

مفروداً على صدرِ الهواءِ

أضفِّرُ النَّعناعَ،

أنحتُ مرفأً في الريحِ

ألبس خاتماً من عظمِ أخوتي القدامى؛

غامقٌ كالطينِ

تجرُفني السيولُ إلى ضفافٍ

لم تقفْ لتقولَ شيئاً

عن عرايا يركضون

كما العظاءاتِ النحيلةِ

في بطونِ الميتينَ و في دماءِ الأنبياءِ،

و مترفٌ هذا المكانُ

بعابرٍ مثلي

على كَتِفَيَّ تندفعُ السهولُ بلا حدودٍ

كالهدوءِ على غصون المنغروفِ

و غابةٍ سوداءَ تحجبُها

التلالُ السرمديةُ

حيث يَحتَمِلُ الغروبُ مشقةَ

البحثِ المكرَّرِ عن أماكنَ

للهبوطِ بلا متاعبَ

أيها الشفقُ البطيءُ

توسعاتُك لم تعدْ مقبولةً

عند الطيورِ المستكينةِ

فوق قبعةِ الفنارِ،

أنا اتخذتُكَ صهوةً لأرى المدينةَ

و هي تكبرُ من بعيدٍ

كالتجاعيدِ الكثيفةِ في وجوهِ العابرينَ

من الحدودِ إلى حدودِ الزنزلختِ

و من دعاءِ الطيبين إلى

رفاهيةِ الأزقةِ.

شارعٌ و سعادُ مثمرةٌ

لها ظلٌّ برائحة البحيراتِ النقيةِ؛

لا تُتاحُ مفاجآتٌ كالحياةِ

و أن أطيرَ بخمسِ أجنحةٍ

و رأسٍ مورِقٍ

خلف السدودِ إلى البعيدِ

من الجبالِ البيض تحملُني الوعولُ

إلى ينابيعِ الغمامِ

هناك يُفتَتَحُ الشتاءُ بمقعدٍ

في آخر المقهى،

و تقتربُ المدينةُ من شفاهي

حين أهمسُ للمساء بموعدٍ

في شارعٍ ما

فحبيبتي فِضِّيةٌ،

و الليلُ قطبيٌّ كوجه فراشةٍ

تأتي بلا لغةٍ تُذيبُ

مسافةً بيني و بين اللوزِ

لا أدري،

هل الدنيا اشتهت مني المزيدَ

فلا نهايةَ للمسارِ الضيقِ

المحفورِ في وجه البنفسجِ

و التراب الحُرِّ؟

كانت شِبْه مُكْرَهةٍ و لم أسألْ

لِمَ ابتعدَتْ مع الطيهوجِ

بين تشققاتِ الملحِ

في رحمِ السؤالِ،

سعادُ أوقاتٌ لهجرةِ

هذه الطرقِ الضعيفةِ صوبَ

أوديةٍ تمرُّ على قبائلَ

غالباً تتقاسمُ الضوءَ المفَتَّتَ

و احتياجاتِ البقاءِ

ككائناتٍ غير مؤذيةٍ؛

خريفٌ باردٌ كالرملِ

يُلصقُ وجهَهُ بزجاج نافذتي

و أُدخِلُه بأغنيةٍ بها

جرحٌ كوادٍ

غائرٍ في القلب يفترشُ الصباحَ

بلونه الفضيِّ تحملُه

الرياحُ إلى مدائنَ

أطلقتها الشمسُ خلفيَ.

من يموتُ هو البعيدُ،

سعادُ آخرُها النجومُ و وردةٌ

مائيةُ العينين،

بيضاءُ الهواءِ

لها ابتساماتُ السماءِ

على شفاهٍ لم تُصَبْ بالسوءِ،

عُدْتُ و لم تَعُدْ هذي

المدينةُ في مزاميرِ الرعاةِ

و في اشتعالاتِ الشتاءِ

على رؤوسِ الموجِ،

يا تشرينُ يا وجعَ النهار

و شهوةَ الليمونِ

تمشي خلف ذاكرتي و تعرفُ

أن لي وجهاً من الفخارِ

محفورٌ على صفحات هذا الليلِ،

يا تشرينُ سلِّمْ إن مرَرْتَ؛

من الهواءِ المرِّ أخرجُ

من ترانيم الأوزِّ و صرخةِ البِلَّورِ،

تمضي هذه الدنيا،

ستمضي إن كرهتُ و إن تركتُ

البحرَ يأكل نصف أعشاشِ الغيومِ

و إن عبرتُ دوائرَ الفرحِ الكبيرةِ

تاركاً للشمسِ أن ترثَ القُرى

و غرابةَ البلَّورِ،

تغمُرُني مخاوفُ لم تكنْ

من قبلُ تعني أيَّ شيءٍ

غير أني الآن أخشى الظلَّ

تحت رموشِها

و أعود أسألُ هل أنا باقٍ

لأحفرَ في خدودِ البرتقالةِ

شارعين من الهواءِ

و في ابتساماتِ القرنفلِ شاطئين؟

سعادُ لم تَقُلِ الكثيرَ

و حين ماتت كنتُ ألهثُ

خلف أيامٍ كما بدأت

سترجع ثم يدفنها المساءُ

و في النهاية لا أُثمِّرُ غير

ذاكرةٍ من الورق الرديءِ

و تصبحُ الأحلامُ هادئةً

كنظرةِ إبنتي؛
ما كل شيءٍ كنت آمُلهُ

حظيتُ به، و أعرفُ

أن للدنيا منافعَ بعضُها

أني لوحدي دائماً

و أُحبُّ أن يصلَ الحديثُ

إلى البدايةِ مرتينِ

و لو أوفَّقُ

سوف أختصر الكثير

عن الذين عرفتُهم،

لا ينبغي إبداءُ رأيٍ في الحياةِ

أعيشها متناثراً بيني الغداةَ

و بين أحلامي غداً

و أضيع بين قشورِ أضواءِ

الطريقِ و في دوائرَ لا

تدور إلى الوراءِ كما اعتقدتُ؛

غداً أقاتلُ ثم أحمل وردةً.

يا ظليَ المُلقَى على

ظهرِ المدينةِ لا تقاتلْ

قبل أن آتي،
لنا ما كان قبل الخوفِ،

قبل الوردةِ الأولى

و عينِ البندقيةِ صوب نافذةِ التلالِ،

سعاد ماتت عند

فوهة الحكايةِ،

عند أكوام الهواءِ بسيطةً

كأشعةٍ تهتزُّ في

الأفق البعيدِ،

سعاد لافتةٌ على شفة الطريقِ

تمر منها الابتسامةُ

نصفها شفقُ السؤالِ

و نصفها أيلولُ ذاك الآبقُ

المسدولُ فوق سنابلِ

الجبلِ المطلِّ على التلال اللولبيةِ

و السحابِ المستديرِ

و لم أجدْ أعمارَنا موصولةً بضفائرِ

المِسْكِ الكثيفةِ.

لا نموت بما نقولُ

و لا نجازِفُ بالنساء إذا انتقلنا

للضفافِ السندسيةِ،

أيهذا البحرُ

أنت الشاسع الباقي

على عتباتِ هذا البَهْوِ

أَمسِكْ بي ستُعتِمُ

ثم نعبُر كاملَيْنِ إلى المسافاتِ

الطليقةِ كالرياحِ،

إلى السلالاتِ الغنيةِ

بالخرافاتِ الشهيةِ عن نساءٍ

كنَّ يعجِنَّ السماءَ كواكباً

لصغارهنّ و في الصباحِ

يصرنَ ماءاً دافقاً

حتى المساءِ

و عندها يغرقن في

برك الاوزِ و في الكهوفِ

و تحت أجنحةِ النعامِ

و حين ينتفضُ الخريفُ

يعُدنَ في تشرينَ لونُ

جفونِهنَّ بخضرةِ التوتِ النديِّ.

أنا الملامُ على تفاهاتٍ

أصابت قلبي العاجيَّ بالفوضى،

سعادُ نهايةٌ،

و أنا سأبدأُ إن رجعتُ،

و إن وجدتُ مدينةً أخرى،

و أخرى لا تزالُ تحبني

ببرودةٍ كالشمسْ.

الثلاثاء 24/8/1999

ليست هناك تعليقات:

إنزلاقات مرورية

انزلاقات مرورية شعر: علاء نعيم الغول أحميكَ أم أحمي دقائقَ في ضلوعي تحترقْ أنفاسُنا ليست هواءً بل دخانَ الوقتِ مشتعلًا كما فعلت رسائلُنا ...